الذاكرة الخوديدية

من جعبة تاريخ بخديدا

 

الأب بهنام ككي

رئيس تحرير نشرة العائلة

 

لقد عانت بخديدا ما عانته عبر التاريخ من الجيرة بسبب النوايا والظروف والنفسيات والعقليات آنذاك. وفقدت الامان والإطمئنان على أبنائها، مساكنها، زروعها وممتلكاتها.

 

كانت بلاوات ملكاً للمرحوم الحاج محمد النجفي وهي قرية تابعة لبخديدا وتبعد عنها (6 كم) إلى الجنوب. حدث عام (1912م) ان طلب المرحوم الحاج من بخديدا عمالاً لحصاد زروعه في حين كان الخديديون منكبين ومنشغلين بحصاد زروعهم، فلم يتهيأ لهم العمل لديه، فانزعج كثيراً واغتاظ وضرب القس جبرائيل حبش (رئيس كهنة
قره قوش آنذاك) لكمةً على وجهه فتألم الخديديون لذلك كثيراً. ولما حلّ فصل الخريف أمر الحاج فلاحيه بحراثة بعض أراضي الخديديين المجاورة لأراضيه ليستولي عليها. فأقام الخديديون اصحاب الأراضي الدعوى عليه مطالبين بأجراء المحاكمة في ديار بكر ـ بعيداً عن نفوذ الحاج ـ فقصد القس بهنام دنحا عام (1913م) استانبول لمتابعة الدعوى ولجعلها خارج الموصل، فوافقت الحكومة العثمانية على أجرائِها في ديار بكر، فسافر اربعون شخصاً من بغديدا إلى محل المحاكمة بينهم المدعي والشاهد، فكانت النتيجة الحكم بإعادة الحدود إلى سابق عهدها وتمت المصالحة وعادت المياه إلى مجاريها وتحسنت العلاقات بين الطرفين كثيراً.

 

ومن جملة المخاطبات والمراسلات التي استلم وكتب المرحوم الاب بهنام دنحا، ننشر ولأول مرة هذه المخطوطة وهي الأقدم من بين المخطوطات بخط يده والتي وقعت في أيدينا بخصوص هذا الموضوع لكي يطّلع عليها المهتمون بتاريخ بخديدا العزيزة التي تستحق كل العزّ والتضحية.

 

المخطوطة هي رسالة من مار اغناطيوس افرام الثاني بطريرك انطاكية للسريان الكاثوليك إلى الآب بهنام دنحا في الإستانة، بتاريخ 25/4/1913.

 

الآب بهنام دنحا

 

نهدي البركة الرسولية والسلام الرباني إلى ولدنا العزيز القس بهنام دنحا المحترم حرسه المولى

سررنا بقراءة رسالتك التي وجهتها إلينا بتاريخ
31 آذار الماضي إذ وجدنا ان الآمال معقودة على نجاح دعوى اولادنا الاعزاء جماعة قراقوش الذين لايزال العدو المعروف يعقّب عليهم فنحثك على ان تكون نشيطاً متيقظاً في متابعة الشغل لدى السفارة واستعِن بـ فتح
الله بك خياط ولاحق الياس أفندي رسام واتخذ كل الوسائل لدى أولياء الامر لنيل المرام. ثم أننا نثني على حاساتك البنوية لنا ونقابلك على ذلك بالدعاء إلى الله ان يفيض عليك منحه ويؤتيك أُيُدهُ لانقاذ ابناء وطنك من مظالم الأشرار. هذا وصيانة لنفسك ولاسمك نرى الاولى بك ان تمكث ساكناً في دير الدومنكيين او في غيره فاستملهم اليك باللطف. كما أعلمناك سابقاً بأن تراجع رأساً سيادة مطرانك فيما يتعلق بالمصرف والدراهم لأننا لا دخل لنا في هذا الأمر والان نكرر عليك ذلك ثم اننا نعلمك بأن المطران بطرس هبرا الجزيل كرمه نفسه قد حوّل لك  عن يدنا عشرة ليرات فرنسية نحن طيّه نضع لك حوالة لقاء هذه القيمة على الخوجة سرسم بالاستانة ونختم بتكرير ماسبق.

 

قوموا ننطلق

 

الاب بهنام ككي

رئيس تحرير نشرة العائلة

 

قد يظن البعض ان ما يفرّق بين الناس هي المسافات والأختلافات في اللغات والحضارات والأجناس والأمزجة والطباع والأفكار. كلا! ان ما يفرّق هو "الجشع"…!! ان  هذه الرذيلة هي اساس ومصدر أكثر التعارضات بين البشر، لأن القناعة بما حدد الله من رزق الحلال لم تعد تشبع عالماً يعيش اليوم في التخمة والتمرد والحسد والنهب والسلب والإجرام..! أما في الاجواء المفعمة بالتفاهم والمحبة والعدالة والإنصاف فيسهل التغلب على الفروق في اللغة والعِرق والحضارة والمزاج والمعتقد، بل قد تُسْهِم هذه الفروق في خلق جماعات تنعم بمزيد من السعادة، لأنها حصيلة عناصر غنية، ثم ان التنوّع يضيف ثروة على غنى. أما في داخل البلد الواحد والشعب الواحد والعائلة الواحدة، فالجشع يجد طريقاً أسهل لخلق الإنقسامات العميقة والجروح المتقرحة المتعفنة في أعضاء الجسم، والتي قد تصعب معالجتها إلا بالبتر، ألم يكن الكي آخر العلاجات؟

 

ان أعمال الانسان الدنيئة والاجرامية على هذه الارض لم تعد تحصى، وقد امتلأت صفحات التاريخ منها وخاصةً التاريخ الحديث! ويصدق القائل "غلطة العاقل كبيرة"، ومن غير المنطق ان ننتظر نهاية التاريخ لكي يفعل العلاج مفعوله في البشرية، ثم أن الخلاص ليس في الغنى والرخاء والديمقراطية المطلقة، إنما في الأمن والسلام والاستقرار اولاً. عندما ننتظر من يقيمنا، علينا ان نقتنع بان القيامة لا بد ان يسبقها ألم وموت، لذا فطريق الحرية هو صعب وشائك ويلزمنا للعبور صليباً ثقيلاً.

 

نعم ان التعارضات بين البشر وما أكثرها وأقساها اليوم، وربما تغيّر من مجرى حياة الكثيرين، لأنه لا يلاحظ فيها موقف الله المباشر. ولاننا بحاجة لنعرف موقف الله منها، على الأقل في وقت لم نعد نصدق مواقف العالم منها، في حين نحن مقتنعين بأن الأسد هو سيد الغابة، ولما لم تعد ترضيه القناعة بما يملك ولم تعد تكفيه الوجبات الدسمة، عندها يبقى الأمر خارج حدود الطبيعة والامكانية ولا يعالجه إلاّ الإيمان الذي يحتاج إلى عقل وقناعة فبالعودة إلى الذات والله تذلَّل الظروف الصعبة قاطبة.

 

فقوموا ننطلق من ههنا فقد أقترب الـ…