فنانونا السريان                   الاستاذ الفنان باسم حنا بطرس يعد الملف خصيصا لموقع بخديدا

 

هذه صورة نادرة جداً للوالد وهو يعزف على الأرغن الهوائي،

في بيته بالموصل تعود للعشرينات...قبل إنتقاله إلى بغداد عام 1925

 

الراحل الاستاذ الكبير حنا بطرس والمعهد الموسيقي الأول في العراق

 

من مخطوطة حنا بطرس، الأناشيد الوطنية - لعام 1937.
 كلمات محمد باقر الشبيبي وألحان حنا بطرس
نشيد التاج ظفرناه -
التاج ظفرناه
والعرش أقمناه
والحكم لنا شورى
قد أصبح دستورا
 

 

 

 

 

 

 

C:\Users\user\Documents\-A9D2~1 (2)HP.jpgC:\Users\user\Documents\-A9D2~1 (2)HP2.jpg

 

 

 

هذه ترتيلة (كاروزوثا دحشّا) بالمقام الخاص للجمعة العظيمة بصوت الوالد الشماس الإنجيلي والموسيقار حنا بطرس، مسجَّلة على إسطوانتين (HMV) عام 1931. يشارك معه بالعزف كل من: أمير الكمان (الحلبي سامي الشوا)، استاذ وعازف القانون (الأرمني-التركي نوبار ملخصيان)، وعازف العود العراقي اليهودي داؤد الكويتي.

مع مقدمة بصوت أخي بطرس، وتوضيح باللغة الإنكليزية حول تنقية التسجيل على الأسطوانتين، من ابن عمتي رعد هرمز.

أقدمها لمناسبة موسم الفصح الحالي 2010

 

استمع الى

 

 

 

نشيد موطني

نشيد موطني الشائع كما في هذا التسجيل المرفق طياً، وهو من من شعر (إبراهيم طوقان) وألحان (محمد فليفل)، من سوريا.

أما النشيد ذاته الملحَّن من قبل حنا بطرس، فهو بلحن آخر، شاع وإنتشر مع مجموعة من الأناشيد الأخرى (موطني، وطني أنت لي، الخ.) فترة الثلاثينات – الأربعينات، من خلال إذاعة قصر الزهور التي كان الملك غازي الأول يشرف شخصياً عليها، والوالد يعمل فيها للموسيقى والنشيد.

كما إنتشرت ألحان حنا بطرس لهذه الأناشيد بين أفواج الحركة الكشفية العراقية، إذ كان مسؤولاً عن الموسيقى والنشيد في قيادة الكشافة العراقية.

مع تحياتي

باسم حنا بطرس

نيوزيلندا

في 16 آذار 2010.

 

 

 

 

 

 

النشيد الموصلي

وثيقة منسية للتاريخ المعاصر

في اليوم الخامس عشر من شهر كانون الثاني لعام 1925، خرجت جماهير الموصل تنادي بانضمام الموصل مدينةً وشعباً إلى الوطن الأم: العراق، تصدِّياً لمحاولة تركيا آنذاك للإبقاء على الموصل ولايةً تابعة لها. فكان:

النشيد الموصلي

الذي صدحت به حناجر المنشدين من تلاميذ مدارس الحدباء، ورددته جماهير الشعب المحتشدة في الساحة العامة قرب بناية القشلة.

 

إليكم قصة النشيد الموصلي (إستناداً إلى الوثائق المتوافرة لدى الكاتب).

 

نبــذة

 لكون (النشيد الموصلي) من تلحين الوالد، حنا بطرس، وحيث لم تتوفر بين أوراقه التي أحتفظ بها في مكتبتي، ما يوثِّق هذا النشيد، سوى الخبر المنشور في الصحف آنذاك عن تكريم الملك فيصل الأول ساعةً ذهبية للوالد. وبعد أنْ قمتُ بتسجيل مقطع يسير من النشيد بصوت عمَّتي (مرتا بطرس)، وبحسب ما أسعفتها ذاكرتها قبيل وفاتها بسنتين، فاستذكرت منها ما كنت أسمعه في صغري من الوالد الملحن. هكذا تابعت إستقصاء المسألة، فاجتمعت لديَّ المعلومات الكافية عن النشيد: الكلام للشاعر الشيخ إسماعيل أحمد فرج الكبير، مدرس اللغة العربية والدين في أعدادية الموصل.

 

كيف لي أنْ أحصل على النص الكامل للنشيد؟ طرقتُ أكثر من باب، وأجريتُ عدداً من الإتصالات، حتى توفر لي إسم نجل الشاعر المذكور، وهو عبد المنعم إسماعيل (مقدَّم طيار متقاعد): فاتصلتُ به مستعلماً منه شيئاً، فأفادني مشكوراً بوثيقة مهمة جداً تتضمن معلومة مختصرة لكنها وافية عن النشيد؛ هذا نصَّها الكامل:

 

النشيد الموصلي

نظم / إسماعيل أحمد فرج                                      لحن / حنا بطرس

التاريخ :5/1/1925.

             (هذا النشيد هو رأي الموصليين في إنضمامهم إلى العراق بعد معاهدة لوزان).

 

لستِ يا موصُل إلاّ      دارَ عزٍّ وكرامة

أنتِ فردوسُ العراق    حبَّذا فيكِ الإقامة

 

أنتِ منه خـير جزءٍ         خابَ مَن رامَ إنقسامة

وعماد المجـدِ أنتِ          فيهِ بكِ أقوى دعامة

أنتِ روحٌ هو جسمٌ        أنتِ تاجُ هو هامة

أنتِ شمسٌ  هو بدرٌ           منكِ قد لاقى تمامه

 

إنَّ مَنْ يدنو حِماكِ          فلقد أدنى حِمامة

كيف يدنوكِ وأنتِ             غابُ ابطال الشهامة

دونكِ شعبٌ غيورٌ           باذلٌ فيكِ إهتمامة

أقعدَ الكونَ قديماً        بالقنا تمَّ إقامة

كم أبى فيكِ حبّاً                     قد نضى العِضبُ حسامة

يلتقي الموتَ ببِشرٍ           وسرورٍ وابتسامة

 

نحن شوسُ الحرب قُدُماً     ولنا فيها الزعامة

كيف نولي مَن أتاكِ          طامعاً غيرِ النداما

سوف نُصليها ضِراماً         حرُّها يصلي عظاما

ويسح الدمُ منهم               مثل ما سحت غمامة

 

بلدي الموصل دومي        في آمانٍ وســلامة

لن ينالَ الغـيرُ منكِ       قطّ، مِن ظِفرٍ قلامة

 

 

 

 

تعقيب على موضوع (النشيد الموصلي)

 

رسالة بالبريد الإلكتروني من بغداد، للدكتور نوري مصطفى بهجت (إختصاص في العلاج الطبيعي – Physiotherapy ، فنان تشكيلي من الروّاد، عازف كمان غربي من أوائل طلبة الموسيقى في المعهد الموسيقي العراقي المؤسَّس ببغداد عام 1936)(*). كتب إلى شقيقه في أوكلند (نيوزيلندا) صديقنا وزميلنا غازي مصطفى بهجت (عازف مزمار Oboe أول في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية(.

 

 

كتب يقول: بهذه المناسبة، أود أن أعبر عن خالص سروري وشكري لكم لمراسلاتكم الطيبة والمستمرة، ولابد وأنْ تقدِّروا  أسباب عدم أمكاننا القيام بالمثل لظروفنا المعروفة.

 

الجوّ الإجتماعي {يقدَّر بكونِه تحت الإنجـماد الخدمات العامة نفس الشىء، ولا نتكلم عن

{ الامان وراحة البال } التي أصبحت { نوعا من الخيال }!.. { الفنون الجميلة غادرت هذه  الديار }. 

 

من بين رسائلكم, النشيد وملحقاته الذي قام بتلحينه المرحوم أستاذنا حنا بطرس؛ يبدو أنَّ له أهمية علي الاقل تاريخية. ولا أعلم فيما إذا كان الاخ باسم قد قام بنشره في إحدى الصحف أم لا... وإذا يرغب في ذلك أرجو إعلامي للاتصال بأحد المعارف لمحاولة النشر خلال هذه الايام؛ لذا فاني أنتظر الاجابة، ربما إنه لايرغب أو يهتم في ذلك.

 

للأسف لم يتسنَّ لي فتح رسالتكم  بالكوبيوتر القديم.

 

(*) شارك نوري مصطفى بهجت بالعزف على الكمان في أول فرقة سمفونية عراقية تكوَّنَت ضمن معهد الفنون الجميلة، في حفلتها التي أقيمت عام 1941، وبقيادة حنا بطرس، على حدائق الكلية الطبية الملكية العراقية.

 

 

وكانت إجابتي على رسالته فور إستلامي لها، على النحو الآتي:

 

أخانا العزيز الأكرم الدكتور الفنان نوري: أحييكم أجمل تحية، وأشكركم جزيل الشكر على ثنائِكم لموضوع (النشيد الموصلي) الذي أشرتم إليه في رسالتكم إلى أخينا غازي والعزيزة هدى؛ لا يسعني سوى التأكيد على رغبتكم في نشره في الصحف وفي أي موقع إنترنيت، إنْ شئتم فسأكون لكم من الشاكرين.

 

كما إني أقدِّر عالياً معاناة الشعب العراقي بكل أطيافه، في هذه الظروف المعاشية والحياتية الصعبة والقاسية؛ تضرُّعاتنا دوماً لعودة السلام إلى أرض السلام، لتعُم المحبَّة وتنتشر روح التسامح والتفاهم بين الجميع.

 

شاكراً أختنا الكريمة هدى لإحالتها رسالة الدكتور نوري هذه.

متمنياً لكم موفور الصحة والعافية.

باسم حنا بطرس

أوكلند في 25 تموز 2005.

 

الحلقة الاولى

 

مقدمات لبحثٍ موسَّع

مدخــل

حنا بطرس ؛ الموسوعية والشمول والتفرُّد: توثيقاً لحياته

 

الكتابة عن حنا بطرس (1896 – 1958) ليست بالمسألة البسيطة لأنها تعجز عن تغطية خدماته المتميزة في مختلف ميادين العمل، طيلة سني حياته العملية – الوظيفية الخمسة والخمسين وما سبقها وأعقبها من سنوات عمره المنتهي في الثانية والستين.

وبعيداً عن المحاباة والمحسوبية والمزاجية العاطفية، أعرض – بتجرد وموضوعية – على الصفحات التالية خمسة وخمسين فقرة متسلسلة – جهد الإمكان – وبالتدرّج الزمني لمراحل حياة هذا الرجل الذي – على بساطته ومصداقيته ووضوحه – شكَّل نوعاً من الظاهرة لم تنل ما تستحق من دراسة وتوثيق، بل تضاربت الآراء حوله.

ما كانت حياته سهلة، ولم تكُ معقدة. لكنها كانت متعمقة ذات بناء عمودي تفرعت عنه الإتجاهات أفقياً. فقد كاد الزمن يطوي صفحته مثلما فعل بأمثاله من الرياديين الثقافيين، فلا تعرف أجيالنا المتعاقبة عنهم. من هنا وبحكم صلتي وعملي بموقع موسيقي في الدولة – ومع تقصيري في أمور كثيرة، حركتُ بعض ذكريات أردتُ تخليدها في سفر التاريخ الحديث عن "حنا بطرس" ضمن حلقات عملي الموسيقي والإعلامي، داخل العراق وخارجه.

في العام 1996 ستحل الذكرى المئة لولادته: إن قدِّر لنا أن نحتفل بها، ومع إهتمام شقيقي الأكبر بطرس المقيم في إنكلترا، وإتصالاتي المستمرة مع فؤاد ميشو في أميركا، والشقيقين الدكتورين يوسف وغانم عقراوي في لندن – وجميعهم من أقدم الطلبة الذي تتلمذوا موسيقياً على يد وفي عهد حنا بطرس بمعهد الموسيقى (معهد الفنون الجميلة فيما بعد) ؛ وبحكم إحتفاظي الوثائق والأوراق والمكتبة العائدة للوالد: فلقد استقرأت منها ومن مصادر أخرىمتعددة، كتابتي لهذا المبحث، خطوة مرجعية لكتابات مستقبلية أوسع.

 

للحقيقة نكتب. ولإثبات الحقيقة نوثق.

 

يعتبر المؤسس الأول للتربية الموسيقية في العراق الحديث

 كانت له الريادة في مجالات عمله الوظيفي لخمس وثلاثين عاماً، كما نتابع ذلك فيما يأتي:

 

+ تلحين وتدريب وتقديم (النشيد الموصلي - 1921) شعر الشيخ اسماعيل فرج الكبير، في الحشد الجماهيري المتصدي للمطالب التركية بولاية الموصل (نال تكريم من الملك فيصل الأول)،

+ إدارة أول جوق لموسيقى الجيش (الموصل 1923)،

+ إدارة أجواق الموسيقى الخاصة بالحركة الكشفية في الموصل وبغداد (حصل على أوسمة رفيعة المستوى من مؤسس الحركة الكشفية في العالم [سر بادن باول]،

+ تلحين ونشر الأناشيد الوطنية والقومية،

+ تدريس الموسيقى في دار المعلمين الابتدائية ببغداد منذ 1925،

+ تأسيس المعهد الموسيقي (معهد الفنون الجميلة فيما بعد) بوزارة المعارف عام 1936، فكان أول مدير له، مدرساً للموسيقى الهوائية، ثم معاوناً للعميد حتى تقاعده وظيفياً في العام 1952.

+ عمل مشرفاً على الموسيقى والنشيد في إذاعة قصر الزهور، منذ تأسيسها من قبل الملك غازي الأول، عام 1936 (نال تكريم من الملك غازي)،

+ تخرج في المدرسة الدولية البريطانية في العام 1931، حاصلاً على دبلوم بدرجة امتياز  (بروفيسيانس) في علوم الموسيقى والتأليف والقيادة الموسيقية،

+ شَكَّلَ وقادَ أول فرقة سمفونية عراقية ضمن معهد الفنون الجميلة، قدمت حفلتها عام 1941 على حدائق (الكلية الطبية الملكية) في بغداد.

+ ضليعٌ باللغات العربية والآرامية والفرنسية والتركية ثم الإنجليزية،

+ تدرج في رتب الخدمة الكنسية بدرجة (شماس إنجيلي) مؤدياً قديراً لتراتيل الطقس الكنسي الكلداني، سجل فيها أول اسطوانتين فونوغرافيتين لشركة (صوت سيِّدِه His Master’s Voice) بمصاحبة الكمان (أمير الكمان سامي الشوا – من حلب) والقانون (نوبار ملهاسيان – أرمني من تركيا) والعود (داؤد الكويتي موسيقار يهودي من العراق)، ضمَّنها أربع تراتيل، منها (كاروزوثا دحشّا – قوم شبير باللحن الخاص بالجمعة العظيمة)، وقصة (كيّاسا).

+ خدمته الشماسية ما كانت حصر كنيسته الكلدانية، بل شهدت له الكنائس الشقيقة، من كاثوليكية وشرقية وأرثوذكسية، حضوراً متميزاً في خدمتها.

+ مؤلفاته الموسيقية:

 

أولا: الكتب:

01 كتاب (مبادئ الموسيقى النظرية بغداد 1931)،

02 كتاب مجموعة الأناشيد الوطنية (سنة 1945- غير مطبوع)،

03 كتاب (مبادئ النظريات الموسيقية بغداد 1945)،

04 كتاب (تاريخ الموسيقى بغداد 1952) غير مطبوع،

05 قاموس المفردات الموسيقية (إنجليزي فرنسي عربي، سنة 1956) غير مطبوع،

06 كتاب (مدوّنات التراتيل الطقسية الكلدانية سنة 1956) غير مطبوع.

7. كتاب الأناشيد الوطنية والقومية، الذي ضمَّ عدداً كبيراً من الأناشيد التي قام بتلحينها وتقديمها فترة الثلاثينات – الخمسينات، من بينها (نشيد موطني، وطني أنت لي).

 

ثانياً: المقطوعات الموسيقية:

01 الروندو الشرق   Rondo Oriental  (للكمان والبيانو، ثم للأوركسترا السمفونية 1936)،

02 اللحن العربي Melodie Arabe (للكمان والبيانو، 1938)،

03 تأملات موسيقية (للفرقة الهوائية والفرقة السمفونية 1941) في خمس مصنفات،

04 مجموعة من القطع الموسيقية المؤلفة خصيصاً لأجواق الموسيقى الهوائية،

5. لحنَّ عدداً من التراتيل الكنسية، وخصوصاً لحن بأربع أصوات (هارموني) لترتيلة (طاس وَن حيث رَيش – إنحدر ملاك من السماء) الخاصة بقيامة المخلص.

 

ثالثاً: عائلة حنـا بطرس:

تزوج سنة 1929 مِن (مريم داؤد مرتا – من الموصل – تحمل دبلوم المدرسة الأميركية للبنات في الموصل –  American School for Girlsبتربية الأطفال)، ورُزقوا في بغداد أربعة أولاد هم: بطرس (1930 توفي في لندن عام 1997) بكالوريوس تجارة واقتصاد، دبلوم موسيقى (ترمبيت) عالٍ من معهد الفنون الجميلة؛ صباح (1931، مقيم منذ سنوات في كندا) طبيب إختصاص في الأشعة، دبلوم موسيقى (كلارنيت) عالٍ من معهد الفنون الجميلة؛ باسم (1934، مقيم في نيوزيلندا منذ عام 2000) خريج أعدادية التجارة بالفرع الإنكليزي، دبلوم موسيقى (تشيللو) عالٍ من معهد الفنون الجميلة، شهادات عليا فخرية في علوم الموسيقى؛ سمير (1938، توفي في بغداد عام 1989) خريج الدراسة الإعدادية، دراسة أربع سنوات موسيقى (بيانو) في معهد الفنون الجميلة.

 

رابعاً: خاتمة المطاف:

إنتقل حنا بطرس إلى رحمته تعالى متأثراً بإصابته بالجلطة القلبية، عام 1958، عن عمر ناهز الثانية والستين، ودُفِن في مقبرة الكلدان عند ساحة الطيران ببغداد.

 

ملاحظة: نتابع فصولاً أخرى من مآثره في مجالات حياته العملية فناناً، مربياً، شماساً.

 

(الموصل 1896 بغداد 1958)

الحلقة الثانية: حنّا بطرس والموسيقى الدينيّة

باسم حنا بطرس

باحث في علوم الموسيقى (أوكلند في 23 تشرين أول 2004)

يتابع الفنان أحمد الصالحي من الكويت ما ورد في الحلقة الأولى المنشورة على صفحات (فن) في موقع (باخديدا) عن الفنان حنا بطرس، عبر رسالته الإلكترونية الآتية، التي يقول فيها:

مرحبا

أنا احمد من الكويت و في الحقيقة لي إهتماماتي بجمع التسجيلات النادرة خصوصا العراقية و قد ذكرت في مقالة حول الفنان حنا بطرس بأنه سجل إسطوانتين لبعض التراتيل و بمصاحبة سامي الشوا و غيره .. فهل تمتلك هذه التسجيلات ؟؟ كذلك أود أن أذكر بأني سمعت في إحدى المقابلات القديمة لعازف الكمان الكبير صالح الكويتي عبر راديو إسرائيل بأنه تعلم النوتة الموسيقية على يد حنا بطرس قائد الفرقة الموسيقية بالجيش , و صالح الكويتي هو الأخ الأكبر لداود الكويتي .. كذلك إذا ترغب فإني أمتلك مجموعة نادرة من التراث العراقي الموسيقي

و تحياتي الخالصة

http://www.bakhdida.com/HannaButros.htm

أحمد الصالحي - الكويت

 

  

إستهلال:

في حقيقة الأمر كنتُ قد أجَّلتُ متابعة الفصول اللاحقة عنن حياة الفنان حنا بطرس، كي أتواصل مع فنانينا السريان الآخرين تباعاً.

وإذ أشكر إهتمام أخينا الصالحي، ودقّة الملاحظة التي أوردها في رسالته هذه، لعلّي في هذا المجال أستنطق صمت الذاكرة؛ فإن إسم الكاتب الكريم أحمد الصالحي، قريب من إسم (الأستاذ أحمد صالح؟ لست متأكداً من إسم أبيه)، ذلك الباحث الذي أسَّس وأدار مركز البحوث الموسيقية في رئاسة الوزراء في المسيلة بالكويت، الذي كان لي شرف لقائه في ذلك المركز في العام 1978. فقمتُ فوراً بالإستفسار عن هذه المسألة، وجاءني الجواب بأن كاتب هذه الرسالة ليس الشخص المستفسَر عنه.

ومع ذلك، فإن ما أوردّه الصالحي في إستهلال متابعتي هذه لن يقلل من شأن الرسالة، بل يعزز قيمتها العلمية الباحثة في علوم موسيقى الأجناس.

u u u

إجابةً على الإستفسار، أقول:

مخاطباً الفنان أحمد: أجل، إني أمتلك تسجيلاً للأسطوانتين، حصلنا عليه من مقر شركة (His Master’s Voice) في إنكلترا في العام 1982، تم إستنساخه لي من التسجيل الأساس من قبل الشركة ذاتها. سأكون في غاية السرور لتزويدك بنسخة مسجَّلة على القرص المدمج (CD) مع الدراسة التحليلية للمواد وللتسجيل، في حال حصولي على عنوانكم البريدي.

 

u u u

 

ذكرتُ في الحلقة الأولى أنَّ حنا بطرس كان شمّاساً إنجيليّا إمتلك صوتاً رخيماً وأذناً موسيقيةً شديدة التحسس بالنغمات ودرجاتها السلّمية، عزَّزها بثقافته الأدبية والموسيقية بالمستوى المتقدم في زمنٍ كانت مثل هذه الأمور تتأتَّى بالسليقة دونما دراسة؛ كل ذلك أهَّلَه لتقديم الأفضل نطقاً وتلاوةً وإنشاداً.

تلقَّى وشقيقه الأكبر الشماس الإنجيلي عزيز، المعرفة الأدائية المقتدرة لأداء التراتيل الكنسية في الطقس السرياني الشرقي (الكلداني)، عن الشماس يسّو حداد (1) الذي كان يجيد أداء هذه التراتيل. (2)

بدهياً يتطلب الأداء السليم لمثل هذه التراتيل معرفةً ودرايةً جيدتين في أصول اللغة المنشَد بها (السريانية والعربية هما لغات الترتيل في كنيستنا المشرقية)، ودرايةً خبيرة في المقامات الكنسية الشرقية السريانية (3).

 

قصة تسجيل الأسطوانات:

 

في تشرين الثاني من سنة 1931، جاء إلى بغداد فريق عمل فني باستديو تسجيل متنقل في سيارة، من شركة ( His Master’s Voice) عمل معهم مهندس الصوت العراقي طالب رفعت. كانت خطة الفريق تسجيل بعض ما يتيسَّر من التراث الموسيقي العراقي، للتلاوات الدينية والمقام والبستة والريف، وبخاصة مقرئ المقامات العراقية آنذاك رشيد القندرجي؛ بما في ذلك التراث الكنسي العراقي؛ فكان إتصالهم بحنّا بطرس عن طريق زميله مهندس الصوت طالب رفعت.

إختار لهذا الغرض أربعة أعمال من الترتيل الكنسي الطقسي: أهمها الترتيلة التي تقال في عشيَّة يوم الجمعة العظيمة، الخاصة بآلام المسيح وصلبه ودفنه، التي تعرَف بإسم (قُوم شبّير) باللحن الخاص لهذه المناسبةن وهي تصنَّف في زمننا الحالي من (الموسيقى الفنيًة) ويستغرق أداؤها في العادة ما يقرب من نصف الساعة.

ولكون سعة الوجه الواحد من الأسطوانة القرصية الشمعية هو بحدود دقيقتين ونصف الدقيقة، لذا إقتضى ضغط هذه الترتيلة بالذات، وحصرها بزمن السعة المتاح.

 

المصاحبة الموسيقية:

يجري إنشاد التراتيل الدينية في كنيستنا الشرقية بدون مصاحبة موسيقية، وإنما يُكتَفى باستخدام الجلاجل والصنوج حسب التقليد القديم. وعليه، كان طموح حنا بطرس تقديم نمط جديدٍ في تراتيله المختارة للتسجيل.

فكان أن توافر في بغداد الموسيقار الحلبي (أمير الكمان) سامي الشوّا، ووجود كل من نوبار ملخصيان (عازف وأستاذ قانون أرمني من تركيا) وصالح الكويتي (عازف العود والملحن القدير). كتب لهم المدوَّنة الموسيقية (النوطة) وقاموا بالتدرّب على القطع الأربع، ومن ثم تسجيل كل واحدة منها على وجه من أوجه الأقراص الشمعية.

لم يكن في الإمكان إعادة أو مسح التسجيل في حالة حصول خطأ؛ تم التسجيل بالكامل بنجاح. وهكذا صارت الأسطوانتان مصدر توثيق غير مسبوق في التراث الكنسي السرياني. وصار إستخدامها منهجاً في التعليم.

مما تجدر الإشارة له، أنَّ الموسيقيين الثلاثة الذين شاركوا عزفاً بمصاحبة الترتيل كانوا من ثقافات أخرى، لا يمتلكون درايةً ومعرفة بالتراتيل المسجلة. لكنهم أجادوا عزفاً وتعبيراً.

 

u u u

 

ختاماً: كنا في اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى نُقيم مؤتمرات موسيقية باحثة في علوم الموسيقى العربية، في المقدمة منها (مؤتمر بغداد الدولي للموسيقى) الذي يقام مرةً كل سنتين، يشارك بأعماله نخبة من علماء الموسيقى من مختلف أقطار العالم. ففي دورته الثالثة المنعقدة عام 1986، قدمتُ بحثاً حول مصادر معرفة الموسيقى، مدعماً بثلاثة نماذج مختارة من الغناء: الأول تسجيل للـ (قُومّ شبير) بصوت الأب يوحنان جولاغ (تسجيل شخصي من كنيسة مار إيشعيا بالموصل - 1984)، والثاني تسجيل قديم للـ (تخشوبثا سريانية) بصوت المرتِّل بشير القس عزيز (والد الفنانين جميل ومنير بشير)، تبعتُه بأغنية من تراث غناء البحر الـ (فْجِري) لصيد اللؤلؤ في الخليج؛ كانت الغاية من تقديم هذه الأعمال الثلاثة، شواهد الشبه في البُنية اللحنية للسياق المقامي لكل واحدة منها، وكأنها نابعة من مصدر نغمي واحد. (4)

 

إلى حلقة لاحقة.

u u u

(1) وهو جدَّ الأب الدكتور البحّاثة بطرس حداد، راعي كنيسة مريم العذراء في الكرادة الشرقية (خارج) ببغداد، عضو هيئة تحرير مجلة نجم المشرق.

(2) كان يحلو للأخوين بطرس ذكر الشماس (يسّو) بما يستحق من تقدير وإحترام.

(3) التي سبقت ما يُعرف اليوم بالمقامات العراقية. 

(4) تم بث البحث والنماذج من بين وقائع المؤتمر والأبحاث المقدمة إليه من تلفزيون بغداد.

 

خواطر في الموسيقى 

باسم حنا بطرس (تشرين ثانِ 2004)

حنا بطرس يعزف على الأرغن ذي المنفاخ الهوائي

في دار سكَنِه بالموصل مطلع العشرينات. *

 

أصل الفن :

كتب المؤلف، الموسيقار، الشماس الإنجيلي الراحل حنا بطرس (1896 – 1958) في مقدَّمة كتابه (تاريخ الموسيقى في العالم)، يقول:

{ متسابقان موسيقيان وُجدا منذ البدء ولما يزالا بتسابقٍ مستمر، وهذان المتسابقان هما البشر والطيور. فالبشر يغنّون مدفوعين بدافع الحب الذي يسير وراء الموسيقى، والشاهد على ذلك المائة أغنية التي أعدَّها (شوبان) استعداداً للإقتران بحبيبته (أورو) التي عرفها التاريخ باسم (جورج ساند) (1).

أما الطيور فتغرِّد، وفي مقدَّمتها (العندليب) الذي يصدح دائماً وخصوصاً في شهر حزيران (2). لكنَّ غناء الطير يتأتى عفويّاً، والإنسان فقط هو الذي يستسيغها فيقول في الجميل منها (تغريداً)، ويتشاءم من غيرها من الطيور (كما في الغراب) فيقول فيها (نعيقاً).

والطيور لها نغمات ثابتة لا تتبدَّل مألوفة لدى كل نوعٍ منها بالغريزة، وتتخاطَب بها مع بعضها بأوزان ثابتة لا تتغير، وكأن الطير في حوار مع قرينه.

الغناء الشعبي:

وحديث الغناء يقودُنا إلى أنَّ لجميع أمم العالم أغانيَ شعبية موروثة من الآباء إلى الأولاد والأحفاد. وهي أغاني بسيطة ليس فيها تراكيب بنائية كما في الموسيقى الفنية ذات التناسق المعروف بالهارموني (Harmony).

لذلك تم تصنيف هكذا نوع من الأغاني في ما يُعرَف بـ (الفولكلور - Folklore) الذي لا يحتاج إلى التعقيد والتوزيع والهَرمَنة (تعددية الأصوات): لأن الشعب هو الذي أبدَعَها وجعل كلَّ فئة منها تُؤدَّى في مناسبات، كأغاني الأفراح والأحزان والصيد والقتال والعمل: ومن أجملها تلك الأغاني المرتبطة بالزراعة، ولعل أغنية (عمّي يا بيّاع الورد) خير مثالٍ من هذا النوع من الغناء الريفي العراقي (3).

كما هي الحال مع التلاوات الدينية ففيها الفولكلوري وفيها الفنّي؛ إذ لدينا في طقوس كنيستنا المشرقية الكثيرمن التراتيل الفولكلورية التي ما يزال الشعب يتغنَّى بها بفرحٍ وغبطة، كالترتيلة الشهيرة (بشمه دبابا بْرَوْما). وفيها التراتيل الفنيَّة كما في تلاوة (قانون الإيمان) بالمقام الكبير، أو ترتيلة (قدّيش) التي تمهِّد لتلاوة (الكلام الجوهري). وغيرها من الأمثلة كثير. (4)

أترك لشاعرنا الرصافي وصفاً شعرياً للموسيقى:

 

الموسيقى

نظم : معروف الرصافي                تلحين : حنّا بطرس

 

أنا الموسيقى أنا الموسيقى       جعلتُ عيشَ الورى أنيقا

يردُّ غصنُ السرور لَحني       بعد  الذُبول غَصّا ورِيقا

+++++

تا الله إنْ النفوس تصـدأ       وليس تُجلى بغير لَحني

لذاك أمسى في كلّ عصرٍ       يُعَدُّ أسمى الفنون  فنّي

+++++

إذا خطابَ الأرواحِ رمتُم                فخاطبوهـا بمُطرباتي

فالروحُ ليست تصيخُ إلاّ        إلى المغاني المرنحاتِ

+++++

إنَّ الأغاني  دروسُ  أُنسٍ       مهذباتٌ  بها  النفوسُ

إذا إدلهمَّت طرقُ المحابي       منها تجلَّت لنا شموسُ

 

 

الهوامش:

 

1-    فردريك شوبان (1810-1849) موسيقار بولندي، عاش 39 سنة فقط، إشتهر بأعماله المكتوبة لآلة البيانو منفرداً أو بمصاحبة آلات أخرى (كالأوركسترا). عُرفَت صديقته أورو بإسم جورج صاند التي بادلته حبّاً بحب، وهي كاتبة وأديبة، ومديرة أعمال شوبان.

Fryderyk Chopin

2-    العندليب نوع من البلابل، كنّا في صغرنا ننشد في المدارس الإبتدائية نشيداً بعنوان (العندليب)،

            يقول مطلعه:   سمعتُ  شـعراً للعندليبِ        تلاهُ فوقَ الغُصنِ الرطيبِ

   إذ قالت نفسي نفس رفيعة       لن تهوى إلاّ حبّ الطبيعة.

3-    إشتهرت أغنية (عمي يا بياع الورد) في الأربعينات على صوت المغني الريفي – المديني حضيري أبو عزيز. من الظريف، أن لحن هذه الأغنية كان أول لحن إضافة إلى لحن نشيد العندليب المذكور أعلاه، تعلمت ُعزفَه من صِغري على البيانو.

4-    يزدهر الترتيل في كنائس العراق اليوم بالنتاجات الفنيَّة الجديدة سواء الوافدة من الخارج أو التي يلحِّنها وينتجها ملحنونا في البلاد. حتى صار إنتشار جوقات الترتيل في عموم كنائسنا يشكِّل ظاهرةً إستقطبت عناية الصغار والشباب وأخذ الشعب يعتاد على ترديد التراتيل الجديدة التي تؤديها الجوقات.

·        نبحث في هذا الموضوع في حلفات قادمة. 

·        الأرغن الهوائي، أو ذو المنفاخ؛ كما هي الحال مع آلة البيانو، ففي الأرغن أيضاً مفاتيح بيضاء وسوداء، يحرك العازف أصابع يديه على هذه المفاتيح وبموجب حركة اللحن ذاته، فتخرج النغمات عبر (زمّارات) مثبتَّة داخل ماكنة الأرغن في موازاة المفاتيح: والزمارة، عادةً، تحتاج إلى هواء يمر في داخلها فيهتز لسان الزمارة بذبذبات محسوبة على ذبذة درجات السلَّم الموسيقي. لذلك ثُبِّتَ في الأرغن منفاخ، ينفخ فيها باليد (كما في الأرغن الصغير الذي يستخدمه الهنود في موسيقاهم)، أو بواسطة (زوج من الدوّاسات) مرتبطة بربّاط مع حافة المنفاخ، وهكذا يصنع الصوت. أما اليوم، فقد زال هذا الشكل من الأرغن وتحوَّل إلى أرغن كهربائي، تتحصَّل درجاته النغمية بواسطة إلأكترونات.