الكنيسة في بغداد ملجأ "الحلو والمر"     الاستاذ الفنان باسم حنا بطرس

من موقع عنكاوا إليكم  هذا النفير من بوقٍ هامس!

أجل: سأنشُر هذا النداء نقلاً من موقع عنكاوا

وبإذنٍ خاص من إدارته

باسم حنا بطرس

أوكلند – الخميس 20 تشرين الأول 2005.

{ من المؤكد أن خلف أسوار مدن كثيرة في العراق عذاباً صامتاً وعجزاً يئنُّ وخوفاً يسكُن عيون أطفال سيستيقظون يوماً ويدركون كم هو كبير إثم الذين أورثوهم هذا اليُتْم والظُلْم والحرمان.
فهل مَن يسمع ويرى ويقرأ ويكُتب عن هذا المصاب؟}

الكنيسة في بغداد ملجأ "الحلو والمر"

 

كتبت الأخت بولين : إن ما يحصل هو أسوأ ما يمكن ان تراه عيناي.. الأبرياء يدفعون الثمن بدمائهم وبعد:

سأنقل لكم صورة حرفية، لواقع يومي يعيشه الناس في العراق، تحت خيمة الـ (؟): مع بعض الـ (رتوش كما يسميها المصورون) لهذه الصورة، وبعض الـ (إعداد، التحرير، كما يسميها أهل الصحافة). أبدأ في الصورة الأصلية:

بلا رتوش

ليلى كوركيس / مونتريال كندا


مما لا شك فيه أن نسبة ما تنقله لنا وسائل الإعلام من آراء وأقوال للذين يعيشون مآسي الحروب، هي نسبة قليلة جداً. كلنا نتهافت بشكل عام على ما يصرح به السياسيون، الزعماء، رجال الدين والحكومات المحلية والدولية ووو...
اليوم وبعد ان جعل الإنترنيت العالم في متناول يد الجميع من مؤسسات إعلامية وأفراد من مستويات ثقافية متعددة، لم تعد تقتصر المصادر الإخبارية ومصداقيتها على ما يُسمى "بالجهات الرسمية" وتبعياتها كي نصدقها ونكتفي بها كحقيقة في حين ليست تلك الأخبار أحياناً سوى "تنظيرات" لزعماء لا يرون أرض الواقع الا من خلال إنتصاراتهم وتسجيل أسمائهم على اللوائح التشريفية في المحافل المحلية والدولية.
إن الحقيقة المرّة هي كالزيت العائم في كوب ماء على مائدة شعب لا حول له ولا قوة.
هي ليست تلك الأرقام التي يتنافس عليها الزعماء حين يعدِّدون رعاياهم قبل.. وخلال..( ونادراً جداً ما تكون) بعد حملاتهم الإنتخابية.
الحقيقة أيضاً هي أننا مهما عشنا في الخارج وتباهينا بتطورنا ومهما نادينا بالحرية وناشدنا تطبيقها وإن بفوضى وبعماء طائفي مخيف أحياناً، يظل الواقع كالزئبق على صفحات ما نكتب وما نريد أن نعبر عنه لأنه يخيفنا ويعكس الجانب الضعيف والهش من صورتنا التي نريدها ان تكون دائماً ذلك المارد العظيم الجبار الآتي من التاريخ.
إن التاريخ عجلة لا تتوقف وذلك المارد سيصير قزماً أمام هول آلام الصغار الذين من المفترض ان يكونوا أبطالاً في تاريخ المستقبل.
قسمٌ لا يستهان به من هؤلاء الأطفال هم أبطال يتامى مهددون بالتشرد، بخطورة الرق وبالتمرد على حياة طبيعية نظيفة ...
إن أرض الواقع في العراق اليوم هي أمٌ تتألم وأب حزين وطفلٌ يستجدي طفولته في أزقةٍ دمرها "الكبار".
قد تخطى اليوم واقع المجتمع العراقي ما كتبته وسائل الإعلام فيما مضى عن المؤسسات الدينية التي طالتها يد الإجرام أو عن الذين قد كُفِّروا وخُطِفوا وذُبِحوا باسم الدين. كل هذه التغطيات كانت جيدة وصائبة ولكنها غالباً ما اتصفت بما يسمى "بالعددية-الإحصائية" ودخلت ضمن مباراة طائفية لمعرفة من الخاسر الأكبر. كما واقتصر نقل تلك الأحداث على تحرير نص إخباري إعلامي يصب أحياناً في مصلحة "بروباغندا" مؤقتة أو مرحلية فقط، إذ أُهمِلت بعد ذلك مصائب الذين رُحِّلوا وشُرِّدوا وهاجروا مثلما تُرِك الطفل المشرد في همٍ ليس له وأوكِلت مسؤولية حمايته وتربيته الى مؤسسات هي بحاجة الى المساعدة والحماية كي تستمر ولا تُهجَّر هي الأخرى.
لا بد انكم تتساءلون الآن، ماذا تقصد فيما تكتبه، الى أين تريد أن تصل وما الذي دفعها الى نقل هذه الصورة التشاؤمية؟
اني وبكل بساطة أكتب وجهة نظرٍ تكونت عندي إثر قراءتي لموضوع مكتوب بالانكليزية عن راهبة عراقية تطلب العون وتنادي بحق طفولة مشردة ومهددة بخطر الضياع في مجتمع إلتهمته نار الفوضى ولم يفلح أحدٌ حتى اليوم بإخمادها.
هو بالطبع ليس الموضوع الإجتماعي الأول الذي يُكتب ويُنشر في الصحف الأجنبية والعربية عن العراق، لكن يجب الإعتراف أن تلك المواضيع هي نادرة ونادرة جداً لأننا نخافها مثلما ذكرت سابقاً.
أدرك اني قد أطلت مقدمتي هذه ولكن صرخة الأخت بولين اليائسة في هذا الموضوع قد إستدعت ذلك.

أنقل لكم ملخصاً لأهم ما جاء في الموضوع (الكنيسة في بغداد هي ملجأ يتأرجح بين الحلو والمر) الذي أعدته مراسلة جريدة أتلنتا اليومية موني باسو، ونشره موقع اي يو اي نيوز واتش في الثالث من تشرين الأول (أوكتوبر2005)

 

موني تتحدث:

تبدأ موني موضوعها بوصف بوابة باحة كنيسة القديسة حنة الكلدانية وميتمها في منطقة الكرادة في بغداد. تلك البوابة الزرقاء التي تفصل بين صخب الحركة اليومية في المنطقة والهدوء والسكون الذي يغرق فيهما صرح مبنى الكنيسة وشرفاتها الواسعة والمطلة على حديقة خضراء مليئة بالورود والزنبق.
في داخل الكنيسة مقاعد خشبية تستقبل كل قاصد سكينة وصلاة. وراء البوابة نرى كيف شوارع المدينة مهددة بالغدر والخطر في اية لحظة.
تنتقل  موني في فقرة ثانية الى وصف تفجيرات "المتمردين" التي تستهدف الأسواق التجارية الأكثر حركة في المنطقة وكانت آخرها سيارة مفخخة إنفجرت منذ حوالي الأسبوع وقتلت جنديين عراقيين.
تبدأ موني لقاءها بالأخت بولين حنا جمعة وهي راهبة بلغت الخامسة والسبعين من عمرها. تسير الأخت بولين  مرتجفةً وبخوف كلما اتجهت نحو بوابة الدير لفتحها أمام طارق يطلب العون.
تقول أن "الأخبار السيئة هي زاد كل يوم". فتحت الباب مرة لرجل مسكين أخبرها وهو ينظر في عينيها بأنه قد خسر كل شيئ بعد أن فجر إنتحاري سيارة في مدينة الموصل وقُتِلت زوجته مع إثنتين من بناته فطلب من الأخت بولين أن تتولى تربية وحماية إبنتيه الباقيتين على قيد الحياة، أترا (13 سنة   ( وشاميران (6 سنوات)
مؤخراً سمعت أيضاً طرقاً يائساً على الباب ففتحته لتجد رجلاً آخر أوكل إليها مسؤولية إبنته (3 سنوات) بعد أن قُتلت زوجته في إنفجار. تروي الأخت بولين انها نظرت الى وجه الطفلة قائلة لوالدها "ان وجهها جميل كالقمر لكنها لا تستطيع ان تتحمل مسؤوليتها لان الكنيسة عاجزة عن توفير الخدمات والتسهيلات التي تحتاجها أية طفلة في عمرها"، مدركةً ان ذلك يتعارض والرسالة التي يفرضها عليها الله.
إمتلأ الميتم بأطفال مات أهلهم في الحرب أو أُهملوا من قِبل والداتهم أو آبائهم بعد أن أصبحوا عاجزين عن إعاشتهم.
تضيف الأخت بولين صارخةً : "لقد أعطى الله الحرية لشعبه ولكن أصبح ذلك الشعب سيئاً. إن ما يحصل هو أسوأ ما يمكن ان تراه عيناي. الأبرياء يدفعون الثمن بدمائهم. قد مات وهلك عراقيون كُثُر خلال حكم صدام حسين لكن ثقافة العنف لم تتسرب بهذا الشكل في كل "تصدعات" المجتمع. اليوم، أصبح العنف عشوائياً ولم يعد مثلما كان في السابق هدفاً سياسياً فقط. إن الحرب والتمرد قد أرعبا الشعب العراقي الى الأبد."
تشرح الأخت بولين لموني والدموع في عينيها عن شعورها حين شاهدت فيلماً لإنتحاري وهو يفجر نفسه صارخاً "الله أكبر"، مضيفةً "عن أي الله يتكلم؟ إن الحق بقتل الناس ليس ديناً"

وفي آخر اللقاء تصف موني الإرهاق الذي يعلو وجه الأخت بولين التي كانت نشيطة قبل أن تُصاب بداء السرطان. نعم، عمرها 75 سنة ومريضة. هي تدرك جيداً أن سنواتها تركض بسرعة راحلةً. "هي، تخاف أن تموت ووطنها لا يزال بعيش في هذا الإضطراب."
تقسِّم الأخت بولين وقتها بين الصلاة مُحاطةً بصور السيد المسيح ومريم العذراء، والإهتمام بأطفال الميتم.
نراها أحياناً جالسةً بصمتٍ في مدخل المبنى الرئيسي للكنيسة حيث برودة "البلاط المرقط" ترطب الجو في الحر أثناء إنقطاع الكهرباء.
نسيمات دافئة تمر في سكون وهدوء عالم الأخت بولين داخل الدير. يقطع هذا الهدوء طرقٌ متكرر جديد على بوابة الدير. تقوم عن كرسيها وتسير ببطء نحو البوابة الزرقاء دون أن تدري من ينتظرها خلف السور.


من المؤكد أن خلف أسوار مدن كثيرة في العراق عذاباً صامتاً وعجزاً يئن وخوفاً يسكن عيون أطفال سيستيقظون يوماً ويدركون كم هو كبير إثم الذين أورثوهم هذا اليُتم والظلم والحرمان.
فهل من يسمع ويرى ويقرأ ويكتب عن هذا المصاب؟

 

- صورة طبق الأصل -