Museum

متحف

فنانونا السريان

فن

رياضة

أدب

أعلام

أرشيف الاخبار

منتديات السريان

بريد القراء

موارد السريان

السريان

 

الحلقة الثالثة

أمل بورتر: إسمٌ يشكِّل إثارة لاهبة، من شُهُبِ نشاطاتها المتميزة، على أصعدة متنوعة؛ إنها نموذج لإنسان جاء نسيجاً متناغماً لروافد مجتمعية أسهمت في تكوين شخصيتها.

هنا أنقل متابعةً للشاعر الفنان، الأديب الناقد حسين الهلالي (من مدينة الشطرة – في ذي قار) الذي تربطني به زمالة تعود إلى سبعينات القرن المنصرم.

باسم حنا بطرس

 

الفنانة التشكيلية أمل بورتر والتصاقها بالوطن الأم

 

حسين الهلالي

تعد الفنانة التشكيلية امل بورتر من الفنانات النشطات على المستوى العالمي لما تتمتع به من حرية الحركةكناشطة في حقوق المرأة وخاصة العراقية في اوربا وكباحثة اكاديمية قي الفن التشكيلي في لندن وفي السويد وفي الدنمارك واسبانية وفي عمان ويعينها على ذلك تخصصها في الفن وتاريخه وحصولها على شهادة ماجستيرتخصصية في هذا المجال مما اكسبها سمعة عالمية اباحت لها التعرف على حركة الفن في تلك البلدان0

واذا رجعنا الى بدايات هذه الفنانة الرائدة وجذورها الأولىنجدها قد ولدت وترعرعت في بغداد ، وعشقت الرسم منذو طفولتها ،/ تعتبرعائلتها من العوائل الميسورة الحال في منطقة المسبح ببغداد ،كون ابوها مهندس انكليزي سيرل  بورتريعمل في دوائر الدولة الحكومية   وامها عراقية مسيحية0

سيرل بورتر هذا الرجل الأنكليزي الذي احب العراق، نمت في هذا الجو العائلي الذي تفهّم ميولها ويعتبرمعهد الفنون الجميلة انذاك من المعاهد المعترف بها عالمياً ويقبل التلاميذ على عدد الألوية حيث نصيب كل لواء تلميذ واحد  بعد اجتياز امتحان القبول 0 دخلت في هذا المعهد سنة 1957-1958

ويتمع هذا المعهد بالدراسة الأكاديمية العالية وخرّج كثير من الفنانين العراقيين الذين اثبتوا جدارتهم في الأوساط الفنية حيث كان فيه اساتذة اكفاء مثل جواد سليم وفائق حسن وخالد الجادر وحافظ الدروبي وعطا صبري ومن الأجانب فالنتينوس اليواني ولاززكي اليوغسلافي وآرتموفسكي البولوني

هنا التقيتها كطالب  في معهد الفنون الجميلة فرع الرسم ،كان نشاطها غير اعتيادي ،فهي مجدةومتابعة في كل شيء وخاصة في فرعها في الفن التشكيلي، كانت لاتنفك  من ان  تسأل عن كل شيء يدور في ذهنها من استاذيها الرائد اسماعيل الشيخلي وعطا صبري كانا من اساتذ تها وتطبق كل توجيها تهما  

انهت دراستها في معهد الفنون الجميلة وسسافرت الى الأ تحاد السوفيتي للدراسة العليا وعادت الى العراق بعد ان انهت دراستها هناك  وعينت في متحف الأثار العراقي، والمتحف نظم دورات لطلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة للحضور داخله وكانت تدرسهم التاريخ والاثار عن طريق الرسم و كانت حصص تدريسية اعتيادية) ومن طلابها د0علي ثويني وسلام الشيخ ، وكانت لديها فكرة فتح مرسم حر ولكن بقيت على الورق ولم تطبق لقلة الوعي التشكيلي انذاكاما نشاطها في الفترة ذاتها فلايتعدى مشاركات في المعارض الفنية التي تقيمها جمعية التشكيليين العراقيين اونقابة الفنانين وتأكد هي لايوحد لديها اسلوب معين في هذه الفترة ترسم بما يجول بخا طرها ولم تتأثر بالمدرسة الواقعية ألأشتراكية ،اشتدت الظروف السياسية عليهاوعلى زوجها المخرج التلفزوني يوسف جرجيس حمد في الثمانينات وحكم عليه بالسجن وخرج وبعدخروجه من السجن استطاعا ان يتدبرا امرهما ويخرجان من العراق الى لندن حيث هناك ولدهما فراس واستولت السلطة على بيتهما

لم يمهل المرض زوجها الا اشهر قليلة وتوفي هناك في لندن

وفي لندن تفرغت للدراسة مرة اخرى فحصلت على درجة الماجستير في الفن وسارت بهذا الأتجاه كباحثة اكاديمية في الفن ومحاضرة في احدى الجامعات الإنكليزية ومستشارة حول العلاقات الفنية – الثقافية للأقليات العرقية وترويج الوعي الثقافي كلية       North   Town   Sideواصبحت ذات شهرة واسعة في جامعات العالم  فلها محاضرات في السويد والدنمارك وفي جامعة السلطان قابوس في عُمان

إن نشاطها الإجتماعي كناشطة في حقوق المرأة يجعلها تنشد انشداداً كبيراًالى بنت بلدها العراق وتعمل الكثيرمن منفاها لهذه المراًة والعراق ايام محنة الشعب اثناء الحصار ومحنتة وهو يصطلي بنار الإرهاب إنها تحب العراق من شماله الى جنوبه بشيء لايوصف

كانت رسائلها لي عبر الأنترنيت تسأل عن إنسان العراق بألم وحرقة.

وفي احدى رسائلها عن جسر الأئمة حيث تقول :- (هل تتصورأني لم أذق النوم منذ بدء الحادث ، وفي الليل أراقب التلفزيون وعيوني تذرف الدموع بلا انقطاع )

لذا جاءت لوحاتها المتعددة (عراقيات) تتحدث عن هذا الحزن وهذا الهَمِّ العراقي الذي لاينقطع لكن المرأة العراقية لن تسقط على الأرض مطلقاً: رسمتها واقفة تتطاول مع الزمن وترد غوائله ، والمتغير في هذه اللوحات

هو اللون من الأصفر الى الأزرق الى الوردي وله دلالاته عند الفنانة امل هذا هو اسلوبها الذي اختارتة لكي يتلاءم مع مرحلة المحنة العراقية ولورجعنا قليلاً إلىالوراء لوجدنا انها اتجهت لرسم الغيوم وهذا الأسلوب اتبعته بعد محنتها وخروجها من العراق وموت زوجها لتهرب من قساوة اهل الأرض والتحليق في السماء لتفتش عن الغيوم المعطاء للخير والمطر لصالح الإنسانية كانت هذه اللوحات مبهجة تعج بالألوان وتبعد الضغينة والسودادية

لم تأتِ هذه الأساليب التي ربطتها الفنانة بالإنسان من فراغ فكري أوعدم دراية، لقد درست البُنى الإجتماعية والنفسية لتكوين المفهوم الذي تقوم عليه حركة المجتمع العراقي بهذا الربط الذي حددَتْه وسَعت إليه   اصبح لديها جدلية بين مفهوم الفن والبنى الأجتماعية في المجتمع وهذه ارتكازة كبيرة، اشبَعَتها بحثاً وأوْلَتها إهتماماً كبيراً، وهذا الإرتباط  والتغيير الحاصل في الطبقات الإجتماعية نظرت إليه بوعي وإدراك، بَدءاً من تراث هذاالشعب الثر الى النظرة الحضارية المتقدمة ولكن كلَّ ما أرادت أنْ تثبِّت المرحلة بتطورها تعترضها إنتكاسة كبيرة لهذا الشعب وتولِّد لديها الخيبة  والحزن،لذا نراها تعيد الحسابات من جديد  وتدفن رأسها في التراث السومري لفكِّ رموزه وتحريك سكونيته بإتِّجاه  فتح باب جديد للفهم والربط بين الإرث الحضاري وإنسان بلاد الرافدين في ماضيه وحاضره.

هي تعرف ان للخط واللون اهمية كبرى في العمل الفني لذى نراها تولي اهتماماً كبيرأ للوصول الى ماتريد ان تجسده من معنى في اللوحة وهذا ماحدث  في لوحات (البورتريت ) التي رسمتها لنساء من مختلف الأجناس لتظهر مقدرتها في هذا الجانب ، فنجد التعبيرمجسد في تلك الوجوه التي لاتخلو من هالة من الحزن والهم  الذي تحمله فهناك اللوحة رقم 1 واللوحة رقم 2 ولوحة الأفريقية التي تحمل حزن افريقية

كل هذا هو طابع اوسمة لاتستطيع ان تغيرها ما دامت مرتبطة برباط قوي ببلدها العراق الحزين لقد تولد لديها  احساس بالفجيعة ، لكنها لم تستسلم لهذه الحالة التي تقودهاالى السكون والبكاء وشل حركتها ، فأتخذت طريق التحدي ّللوصول الى الأنتصا ر واستنفرت قدراتها وبدأت بقراءة الأشياء واستجلاء مايمكن معرفته وماتقدمه الى بلدها الأصل العراق ابتداءاً من محا ضراتها وبحوثها في تاريخ وادي الرافدين الى كتاباتها عن دور المرأة في تخطي الأزمات في لبنان انها تعمل في عدة اتجاهات في الفن التشكيلي وتعمل في حقوق المرأة ومساعدتها والتأليف  عن تاريخ الفن منذو عشر سنوات بعدة اجزاء وكتبت رواية (دعبول البلام وترجمت رسائل والدها الى العربية ورواية نوار ماتت وتحرير وترجمة سيرة الاميرة البابلية ماري اسمر)

 

 

  وفي اسلوب آخر اتبعته هو معالجة الكتابة في اللوحة ولو ان هذا الأسلوب طرقه بعض الفنانين اعتماداً على العمارةالبغدادية والفن الأسلامي ،هذه العمارة التي تتجلى فيها الكتابة  والمقرنصات والأنماط الزخرفية الأخرى ،هي ملتصقة بالموروث والبيئة التي عاشت فيها ، من مساجد وكنائس وتدخل هذاكله من خلال حصيلتها الفنية وتخصصها الجيد ومن خلال عاطفتها واسلوبها واحاسيسها ،لذا نرى انسيا ب الخطوط

 واستخدام الألوان كون اسلوباً رقيقاً حالماً  بدءاً من الوان الشذريا ت إلى الوان ( الأوكر) والألوان الترابية الأخرى .

ان هذه الفنانة دائمة الحركة والنشاط فعندما لاتسعفها حالة نشاط ضاغطة تتحول الى الكتابة وتفرغ ماحبس من ابداع في الكتابة ان ما تسطره من موروث عن حياة الناس البسطاء والمسحوقين جاء انتاجاً ابداعياً ثراً وتجلى ذلك في روايتها (دعبول البلام) التي صدرت عن دار الجمل

 ولنا وقفة معها في مجال آخر

هذه الفنانة والأنسانة المتعددة المواهب والمتصقة دوماً في بلدها العراق اماً تناضل من اجل رفعة هذا البلد الذي يستحق من ابنائه الغيارى كل تفاني واخلاص

 

  

السيرة الشخصية لأمل بورتر:

عن – مجلة الشبكة العراقية

بريطانية الجنسية مولودة في العراق من اب انكليزي من مدينة

كارلايل- كمبريا وام عراقية بغدادية مسيحية

اختصاص في الفن وتاريخ الفن من بريطانية بغداد فينا وموسكو

-حاضرت في تاريخ الفن في كلية التربية الفنية جامعة السلطان قابوس – مسقط- عمان

- مستشارة حول العلاقات الفنية – الثقافية للأقليات العرقية وترويح الوعي الثقافي في كلية  North   Town   Side      North Town Side College, New Castle.

-                                   منسقة عدة برامج حول الوعي الحضاري تتضمن اقامة ورش عمل

-                                   ومحاضرات وتنسيق معارض فنية

-                                   با حثة فب الفنون التشكيليلة نشرت بحوثا ومقالات في الدوريات

-                    والصحف العربية مثل ابواب نزوى والمدى والأغتراب الأدبي والصباح  والمؤتمر  والفنون والوطن وعمان00

-                                   وكتبت بحوناً عن تاريخ الفن باللغة الأنكليزية لجامعات بريطانية

-                                   مؤلفة كتاب العراق مابين حربين 1915 – 1945 00

-                                   (سيرة ورسائل سيرل بورتر عن دار الريس ببيروت)

-                   مؤلفة رواية (دعبول البلام) عن دار الجمل المانيا وترجمت وجررت كتاب الأميرة البابلية ماري تريز اسمر ، مؤلفة نوارماتت –          دار الجمل ولها العديد من المقالات والبحوث عن تاريخ الفن وفنون وادي الرافدين

-                                   اقامت عدة معارض تشكيلية في بغداد وبيروت ولندن وفينا ومسقط ونيوكاسل

-                                   فازت بالجائزة الألفية عن بحث حول دور المرأة في تخطّي الأزمات خلال الحرب الأهلية اللبنانية

-                                   لها مقالات في كثير من المواقع وناشطة في مجال حقوق المرأة 

 

إسم اللوحة : امرأة من اور وبغداد

المادة : حديد وحرير طبيعي

قياس اللوحة : 100سم * 80سم

 

أمل بورتر في صور حديثة

الحلقة الثانية

الاستاذ الفنان باسم حنا بطرس

 

في جولة لها خلال شهر أيار 2006، في شمال العراق، حيث إلتقت معارفَها وأصدقاءها كما حضرت عدداً من الحفلات الموسيقية في السليمانية، من بينها حفلة للفرقة السمفونية هناك. كان لي منها حصة من الصور التي إلتقطتها خلال الجولة.

 

مع صديقة لها

 

جلسة سمر عائلية

 

 

وتعبيراً عن مدى إعجابها بزيارتها هذه، كتبت لي أيضاً تدعوني للإشتراك معها في زيارة قادمة لشمال العراق، حيث ستحتفل هناك بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة

 

مقابلة مع أمل بورتر

 

من ضيوف أسبوع (المدى الثقافي)

الفنانة والكاتبة أمل بورتر ذاكرة للروح العراقية الجميلة باللون والكلمة 

نعيم عبد مهلهل

تبحث هذه المرأة عن الأشياء الدائمة الضوء، وظلت منذ بيئة الحلم الكركوكي تجمع شتات ماتراه من فلسفة الأب وسلوكه لتبني لقادمها اخيلة من مهارات حضارية متعددة الرؤى فبين رائحة الفخار وطين سومر وبابل وكتلة العنف في جسد ثيران نينوى المجنحة وصفير قطارات كلكتا، وعطر امطار نيوكاسل عاشت تلك المراة الأستثنائية لتبني يوتوبيا من ازمنة الكتابة والرسم والنضال ضد سياط اولئك الذين ظلت تمقت فيهم حركتهم البربرية لتجابهها بعزلة عجيبة ركنت فيها الى قبو الموروث واشياء الفطرة المرسومة على بسط السماوة التي راتها تخلصا من فوضى الحرب والقواطع الذاهبة لجبهات القتال لتموت، وهي تمسك جملة كافكا الشهيرة ( كل ما كتبته هو نتاج العزلة ) فكان عليها ان تحول بيتها الى جدران وابواب ملونة بذاكرة اوروك التي وجدتها منقوشة ببراءة الفن وفطريته على تلك الأزارات الملونة بأحمرار الخجل والشهوة والجوع لتصنع من تلك الموروثات حكاية بيت وشعب.

جاءت أمل بورتر. في عودة أوديسية إلى وطنها، لكن حدود الخطوة العائدة لم تأخذها إلى بيت الطفولة في ارانجا الأسم السومري لمدينة كركوك، ولا لبغداد والتي احتضنت فيها سني الدراسة ومعهد الفنون. وبيت الزوجية ولذة عشرين عاماً من العزلة، قالت عنها: إزاء ما يحدث ولأني امرأة أتعامل مع الحياة برومانسية اللون وروحه وكذلك زوجي، ولكي أختار مقاومة تليق بما تعلمته من أبجديات الحرية الوطنية، قررنا أن نلتجئ أنا وهو لعزلة، قد تكون شيئاً من التصوف. الرؤيا أن تترك هواياتك وتطبق على يومك نظاماً صارماً. لا صحف، لا تلفاز، لا أشتراك في أي منشط اجتماعي أو فني. سوى أعمالنا التجارية وفي البيت أسسنا أنا وهو نمطاً روحاً أبداعياً من التلاقح وأشغال هذه العزلة الطويلة عندما كنا نأخذ مسرحيات كاملة، نقرؤها ونوزع أدوارها فيما بيننا. لنقرأها كل الليل متحاورين بمتعة ما يكشفه شكسبير في روح البشر وعوالم تفسر ما يتعرض له الإنسان من نوازع بين خير وشر.

في عزلتي هذه، استفدت من أشياء كثيرة، منها أن أصابعي ظلت نقية ولم تتلوث بلون القسر والإجبار أن ترسم ما يريدون أو يدفعك أحدهم لتضع الدكتاتور على حصان وبيده علم العراق وسيف يجز به رقاب شعبه في حروبه التي لم تنته حد سقوط بغداد.

قلت لها: أمل بورتر أنت تحدثت عن شيء من طفولة وعزلة. وأنا أعلم أنك نتاج ثقافة أكثر من حضارة، وخضعت في البيت لتربية روحية واجتماعية، لهواجس أو صبغة العادات العربية والإنكليزية والهندية، ولكنك الآن قدر ما نعرف تشتغلين من موروث هذه الحضارات وتعكسينها على منتجك التشكيلي والكتابي، أسألك من هي الأقرب إلى عاطفتك، لاسيما حين أتأمل لوحاتك. أرى فنتازيا وأشكالاً، وكتلاً مصنعة من رغبة مشرقية هي من تصنع اللوحة.

قالت أمل بورتر: في البيت بكركوك، ما زالت أتخيل جمل أبي وإنكليزيته الهادئة وهو يوجه بعصاميته أهل البيت. والغريب أنه كان يشعر بانتماء إلى عراقية نقية. تصور كان يكره المحتل، ولا يعجبه ما تفعله مسز بيل. ولورنس كان يقول عنهم: إن أولئك يخدمون مصالح الإمبراطورية أكثر مما يخدمون مصالح هؤلاء الفقراء والبسطاء من أبناء الشعب العراقي. كان لا يحب فكرة أن يبقى انتداب ولهذا ما زلت أتذكر ابتسامته المفتوحة كصباح بغداد وهو يصفق من نافذة البيت لمتظاهري انتفاضة معاهدة بورتسموث عام 1948. وحينما كنا نسأله: أنت لا تخشى غضب الناس لأنك بريطاني. كان يرد: أنا لي مع هذا الشعب مودة كبيرة، أنا أحب الناس والناس تحبني، فكيف أخشاهم.

 

إذن أخي نعيم، وسط هكذا حب ومشاعر ولدت عراقيتي أولاً، وبها أبدعت وتغربت وصنعت لذاتي خصوصية أن تكون اللوحة لدي فنتازيا من البحث عن شيء مفقود وعليك أن تجده وسط اللوحة، هكذا هو انتمائي أعود باللون والرغبة إلى هواجس بعيدة ولكني أتلمسها بأصابعي، سومر وبابل وآشور من هناك أسحب أعنة خيول الزمن وأسكنها ألواحي كلمات تؤرخ لعهد طويل من المثيولوجيا والحضارة المضيئة بالفكرة والفن. وكما تعرف أني أشغل ضمن مساحة كشف روح الأنوثة وما منحته لموروثاتنا. فأنا تعلمت في البيت من أمي. أن المرأة تصنع الرجل بعاطفتها أولاً. أنا أعيد استرجاع هذه العاطفة وأدونها أو أرسمها في لوحة، أما عن الحضارتين الآخريين، فإن لهما شيئاً من التأثير. في الهند التي زرتها، ذهبت لأبحث عن بقايا سلالة من الحب والإبداع تركها جدي الذي كان أول من أسس سكة حديد في الهند.

عام 1965 ذهبت إلى مقبرة كنيسة القديس ما، حيث دفن هناك في ولاية بنفلور، راجعت سجلات عائلتنا، وقرأت سيرهم المليئة بالحب والإبداع، ورأيت جمل العرفان والمودة تخرج من أفواه المهراجات الذين عمل معهم جدي وقبله أجدادي الذين كان لهم الفضل بإنتاج الطابوق بطريقته الصناعية.
في تجوالي بين معابد مدن الهند، قرأت الشرق بصورة أخرى. ولكنها لم تخرج من إطار اللوحة التي ظلت مرسومة بمخيلتي. لقد كنت أرى الشرق واحداً. وكانت عيون بوذا تشع بغنوصية عجيبة وهي تمد أذرعها الألف باتجاه المدى الحضاري المفتوح لبلد تسكن فيه واحدة من أعرق الديمقراطيات. وكان ضوء قبة ضريح تاج محل يلتقي مع أطراف تلك الأصابع ليرسمان معاً ما أتخيله في جهد جدي وهو يؤسس في قلب الشرق ذاكرة للحب، ورثها أبي منه، وأنا من أبي.
أما الحضارة الثالثة، فهي الحضارة الأوروبية. أنا منذ أكثر من ستة عشر عاماً أعيش في بريطانيا وفي نيوكاسل بالتحديد. هنا الحياة تسير وفق نمط مرسوم بعناية. مايكروسوفت والآلة والطباع الغربية الباردة تسيطر على كل شيء.

بالنسبة لي أنا أعيش ممتزجة مع هذا العالم ولكن بطريقتي الخاصة. قد تكون شبيهة لعزلة ما فرضته أنا والمرحوم يوسف زوجي. لكنها عزلة مفتوحة بعالم آخر. ألتقي معه. أعطيه ويعطيني دون أن أذهب إلى أبعد ما يكون فثمة حبل من ضوء الشرق يجرني إليه بسحره وتقاليده وإبداعه وهذا ما تراه في منتجي الفني والفكري.

* السيدة أمل بورتر.. عرفت رؤيا الحضارات وتأثيرها فيك وعليك. وهناك أسئلة كثيرة حول السيرة الإبداعية لانسانة عراقية اسمها أمل بورتر.. نتركها لأزمنة أخرى سنكون فيها أكثر قدرة على محاورة ما يحدث وما حدث. ولكني في سؤال أخير أريد أن أقف معك. على مشهد واحد مما حدث. هو بالتأكيد مشهد صانع للألم والدمعة بالنسبة لك. لأنك كنت بعضاً منه. وطالما تجولت بين أروقته في صباحات الوظيفة.. "هذا المشهد هو المتحف العراقي.. وما تعرض له من نهب وحرق على مرأى ومسمع من دبابة المحتل".

- نعيم هذا المشهد كان بالنسبة لي مثل سكين بروتس في خاصرة يوليوس قيصر. ولا تعرف كم من غيوم الحزن غطت عيوني وأنا أرى التماثيل المدمرة. والأختام الإسطوانية المبعثرة. لحظتها عدت إلى أيام عملي في المتحف واستعدت بهجة أن تعيش مع العصور كلها. وعدت إلى هاجس ظل يعيش في دائماً منذ تلك الأيام الجميلة هو "أن المتحف سينهب ذات يوم. وأن نهاية ما يجري في تلك الأيام. سيكون مشهداً مرعباً وهو ما حدث فعلاً". لا سيما إني أربط هذا المشهد بما تصرفته زوجة الرئيس المخلوع الأولى عندما طلبت من المتحف قلادة سومرية لا تعوض بثمن لتلبسها في حفل استقبال زوجة الرئيس القذافي التي جاءت بمعيته وهو يزور العراق مطلع السبعينيات. ولا أدري إن عادت القلادة إلى المتحف أم لم تعد.. ولكنني لحظتها أحسست بغيظ كبير. وتوجست من هكذا مستقبل انتهى إلى تلك الصورة المأساوية. يعتبرون العراق كله بتراثه وكنوزه ملكاً لهم. وذلك انعكس علي تماماً حين سلب أحدهم يوم خروجي من الوطن بيتي كله بكامل موجوداته ومعها تراثي الفني كله. وإلى حد هذه اللحظة ما زال بيتي يتناقل السكن فيه أغراب ليسوا مالكيه.

يوم احترق ونهب المتحف. شعرب بأن كتلة هائلة تنفصل عن جسدي كنت أرى في ذكريات صباحاتها امتداداً لوعي الكتابة عن ذلك الإرث الجميل وكنت أتخيل أميرات سومر وبابل وآشور والحضر وهن يسبحن في فضاءات لوحاتي. وأن بغداد أحترقت في قلبها تماماً.
أن تهدم جسر أو بناية وزارة، أو حديقة عامة.. فهذا سهل في إعادة البناء. لكن كيف تعيد بناء متحف أو مكتبة. وقد نهبت وحرقت. التاريخ لا يعود سوى بأطياف التذكر. أما موجوداته المادية فلن تعوض أبداً. لهذا شعرت بأن أكبر طعنة يتعرض لها الإرث العراقي وتاريخه هو ما تعرض له المتحف العراقي من طعنات أخرى مؤلمة. حروبه. مقابره الجماعية. موت المفخخات .. وهلم جرا...

      

أمل بورتر

صفحة ناصعة في ثقافة بلاد ما بين النهرين

الحلقة الأولى

الاستاذ الفنان باسم حنا بطرس

 

أمل بورتر ما كنتُ أتوقع فيه إسماً لسيدة عربية، بل عراقية؛ حيث أن الإسم الثاني ( قد يبدو لقباً أو شهرةً ) بعيد من حيث أصله عن الإسم الأوَّل. هنا جرى إستفزاز في دواخلي: دعني أستكشف الأمر.

 

وكما معلوم، فإن للإنترنيت قدرات بارعة في إختراق حواجز الحدود والموانع.

قرأت موضوعاً على صفحات موقع (بنت الرافدين ) حمل إسم كاتبته أمل بورتر، فكان الإختراق ومن خلال البحث، فبدأ حوارُنا نحن الإثنين عبر الرسائل الإلكترونية، فتكشَّفَت صفحة جديدة عبر بُؤَرٍ صغيرة المنافذ، لتكون المحصِّلة معرفةً وتعريفاً بهذه السيدة الكاتبة .. الناقدة الفنية .. الباحثة.

 

إليكم أمل بورتر، لتتحدَّث عن نفسها

 

بريطانية الجنسية من أب إنجليزي وأمٍّ عراقية عربية مسيحية. إختصاص في الفن وتاريخ الفن من بريطانيا بيروت بغداد فيينا وموسكو. محاضِرة في بعض من الجامعات العربية والكليات الاإنجليزية إستشارية حول العلاقات الفنية – الثقافية للأقليات العرقية وترويج الوعي الثقافي في كلية North Tyne Side College ممثلة عن منظمة Multi cultural Information Center منسقة عدة برامج حول الوعي الحضاري. تتضمن البرامج إقامة وُرَش عمل ومحاضرات وتنسيق معارض فنية. باحثة في الفنون التشكيلية. تنشر في الدوريات والصحف العربية بحوثا ومقالات: أبواب والمدى والاغتراب الأدبي والصباح والمؤتمر والفنون والوطن وعمان الخ./ بحوث باللغة العربية والانكليزية. عضو الهيئة الاستشارية لمجلة مزوبوتيميا مؤلفة كتاب العراق ما بين 1915-   1945 (سيرة ورسائل سيرل بورتر) سسيصدر عن دار الريس بيروت. مؤلفة كتاب { دعبول البلاّم } سيصدرعن دار الجمل الماني.

 فازت بالجائزة الألفية عن بحث حول دور المرأة في تخطي الأزمات خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتنشر كذلك في موقع  www.emilyporterart.co.uk. ناشطة في مجال حقوق المرأة. معارِض ومشاركات فنية في العراق لبنان فينا لندن نيوكاسل السويد مسقط. منذ عام 1992 بدأت باستخدام الحديد والحرير الطبيعي كتعبير فني مستوحى من الفلسفة الطاوية الين واليان او انسجام وتلاقي المتضادات.

 

دخل والدي العراق مع جيوش االاحتلال البريطاني في الحرب العالمية االاولى وهو من شمال غرب إنجلترا مدينة كارليل، يعود تاريخ العائلة في هذه المدينة الى عام 1670 ولازال أولاد أعمامي يسكنون نفس المدينة ولهم مكانة مميزة فيها. عرف أبناء العائلة بحبهم للهندسة وأغلبهم تخصصوا في هذا المجال ومنهم والدي. عرف عن العائلة حب السفر والعمل في بلدان مختلفة وعمل جدى لوالدي في الهند تحت أمرة إمارة هندية مستقلة لم تخضع للاحتلال الانكليزي وساهم في إنشاء خطوط السكك الحديدية في الهند وشاء القدر أن يعمل والدي في بغداد في هذا الحقل في العشرينات من القرن الماضي. والدتي بغدادية عربية مسيحية، جدّى لوالدتي من أصول عربية شامية وجدتي لوالدتي عربية من البصرة؛ هذا التلاقح جعلني أفكر بموضوعية وبعيداً عن التعصب والاندفاع، وأنْ أعتز بالأصول العربية واالانكليزية وأن أُزاوِج بين كلا الحضارتين وأعتز كثيراً بنشاطي الاكاديمي وكيفية معالجتي للطروحات الفنية. إذ تعتمد التقصي والفحص والمقارنة ثم الوصول إلى النتائج بعيداً عن الديباجات والوصف التعبيري واالانشاء الادبي وإملاء العواطف والاحاسيس الفنية الشخصية على الطروحات النقدية.

 

هذه السيرة الحياتية عن والدي وعشقه للعراق ولتكتمل سيرتي الأكاديمية اليك.

 حصلت أمل بورتر على جوائز عدَّة، من بينها:

 

أمل بورتر تتسلم هدية من مدير متحف امبروزي

 

أمل بورتر تلقي كلمة في مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة في النمسا في مدينة كراتز

 

من مقالات أمل بورتر *

المنشورة على موقع http://www.emilyporterart.co.uk/index_a.php

بنت من الرافدين.... نجمة تشع من سماء تلكيف

إسمها ماري تيريز أسمر وُلدت عام 1804 في خيمة بين خرائب نينوى حسبما تصف هي ذلك في كتابها النادر والثمين والذي تحتفظ به المكتبة البريطانية بكل اعتزاز. الكتاب يقع في جزئين الجزء الاول من318 صفحة والجزء الثاني من 350 صفحة والصادر في شهر ايار سنة 1844.

التقطتُ الكتاب بيدي المتواضعتين وضعت كفي على صفحاته، مررتها وأنا أحس برهبة ووجل ونوع من الخشوع تجاه امرأة شابة من بلادي تغادر العراق تسافرعبر حصاري وتخترق وديانا وتمر بجبال تزور سوريا وفلسطين ولبنان وتذهب الى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وتمر بفترات ضيق لكنها تقاوم تقابل أشراف وأمراء وملوك والبابا وتؤلف الكتب وتطبع كتبها سنة .1844

أيعقل هذا؟ في الوقت الذي كان العراق باكمله يغط في سباتٍ عميق ويعاني من الحكم العثماني الجائر، وهذه الفتاة تتحدى وتطالب بمدرسة للفتيات وتزور أخت الباشا حاكم مدينة الموصل وتعمل كمرافقة للأميرة اللبنانية الشهابية وتسكن قصر بيت الدين في لبنان.

أقرأ السطور وأنا غير مصدقة عيني: ماري تيريز أسمر تتحدث عن كل شئ في بين النهرين تصف لنا الطعام والملابس وطرق البناء والادوات المنزلية والعادات الاجتماعية. وتحدثنا عن الاديان ومواعيد الصلاة واللاذان والطقوس المسيحية وتتحدث عن البدو والايزيدية والاكراد والعرب والكلدان والسريان. وعن جوّ وحرارة صيف بغداد والنوم فوق السطوح والطارمات والبلكونات والحدائق وعن "النومي حلو" البغدادي الذي تصفه إلى الاوربيين وتقول لهم عن طعمه اللذيد. تتحدث عن الماضي والحاضر وبيسر وتلقائية تصف لنا الطرق الصحراوية والنهرية وبدون تبجح تشير لنا بتمكنها من الكثير من اللغات.

إعتزازها بتقاليها وتفاخرها بها كان ديدُنها ومحور إهتمامها. وتردِّد ذلك باستمرار في أي دولة أوربية تحلُّ، تصُر على أن الشرق هو عنوان وينبوع الغنى والكرم والخلق القويم والصدق والجمال.

تضطرإلى التدريس لتعتاش. تدرِّس اللغة العربية لاحد البارونات الفرنسين وتستمر هذه الفتاة الرائعة فتتحدث عن تدخين النركيلة (الاركيلة) وتستسغر المرأة الاوربية لانها لاتعرف التبغ والتدخين في حين أن بنات الرافدين يعتبرن الاركيلة وشرب القهوة من متطلبات حياتهن اليومية ويشربنها بدون سكر أو حليب وتستلذ بطعم القهوة وتوحي للقارئ بطيب مذاقها.

تصف أعراس البدو والفلاحين وأهل المدن بمختلف قومياتهم. تتحدث بعفوية وصدق وحميمية وكأنها جالسة بين الاهل والصديقات. تقول المرأة تعامل كعبدة مملوكة، يجب أن يتغير هذا الوضع ولن تتقدم المرأة إلا بالدراسة والتحصيل و تسعى لإيجاد مدرسة للفتيات.

مواسم الحصاد في الموصل ودَرْس الحبوب وتحضيرالطعام وأنواع الخبز: تتحدث عن كل هذا للمجتمع الاوربي بكثير من الفخر والتباهي تقول لهم رغيف خبز الرقاق المشهور في الموصل قد يصل قطرُه إلى أكثر من 60 سنتمترا ورقته لا تضاهى، وخبز الموصل المعجون بالدهن والذي سمك رغيفه اكثر من سنتمترين ونصف. وتستمر في حديثها لتصف أدوات المنزل البسيطة من (لَكَن) إلى طاسة إلى الفنجان. وتستعمل اسماءَهم المحلية العربية أو الدارجة بعد أن تشرحها بالانجليزية.

هذا الانتماء لأرض الرافدين وهذا الاعتزاز بكل صغيرة وكبيرة شئ مذهل إذ يصدر عن امرأة من مدينة صغيرة قرب الموصل.

تتباهى بالعامل والبناء وتصف كيف تعمر البيوت وكيف يتم إنجازها في أيام قلائل. وتصف كيفية تبيض الجدران وبناء الحوش وتسقيف البيوت وكانها كانت تعمل بنفسها مما يدل على حرصها ودقة متابعتها لما يدور في وطنها.

تتحدث عن برج بابل وعن نينوى بفخرٍ وإعتزاز وبحرارة وصدق. كما وتذكر أيام الضيق وانتشار الاوبئة وتعرِّج على التحيز الديني أو الطائفي. وتحيِّ أيام الانفتاح والتسامح والرخاء والعزّ أيضاً.

للصداقة وروح الاخوَّة مكان واسع في حياة ماري تيرز أسمر، وفي محيطها ووسطها العائلي وبكل تواضع تشير إلى أهمية والدها.

هل ألومها لو قالت إنها أميرة بابلية؟ لا والله العظيم إنها أميرة وتستحق الامارة بكل جدارة لانها وضعت بلدَها في قلبها وعلى لسانها وحدَّثت الامراء والملوك والنبلاء في أوربا قبل أنْ يستطيع أي إنسان عربي أو من وادي النهرين ( ما بين النهرين ) أن يفعل ذلك.

ألف تحية لكِ يا بنت أسمر الخالدة. وسنوفيك حقك وننشر إسمك ونرجو أن تتكاف الجهود لاحياء ذكراكِ.

أمل بورتر

 * ( بإذنٍ خاص من الكاتبة، أنقل لكم المقال كما هو منشور على صفحات موقعها الإلكتروني، وموقع بنت الرافدين )

الزي التقليدي النسوي في تلكيف

من لوحات أمل بورتر

إسم اللوحة :

ثلاث رجال حكماء من الشرق؟

المادة :

حديد وحرير طبيعي

قياس اللوحة :

 100سم *80 سم

وصف اللوحة :

جدليَّة الحكمة عبر التاريخ

إسم اللوحة

بساط السماوة

المادة

زيت

قياس اللوحة

60 سم*60 سم

وصف اللوحة

من وحي البسط الشعبية في مدينة السماوة في العراق

نتناول في حلقة لاحقة جوانب إنتمائها العراقي