3

حلقة خاصة

ذكريات أخرى عن الموسيقار آلبير شفُّو

 

تعقيب ومتابعة

بعد نشرنا مؤخراً لحلقة ثانية لملف الموسيقار العراقي آلبير شفّو، على صفحات موقعنا الرائد

(بخديدا - Bakhdida)، جاءني تعقيب من صديقي وزميلي الفنان إحسان إبراهيم أدهم (1)، المقيم وعائلته حالياً في الدانمارك.

إحسان أدهم يعزف الفلوت المنفرد بمصاحبة أوركسترا وترية من الفرقة السمفونية الوطنية العراقية، ويشاهَد إلى الجهة اليمنى من الصورة باسم حنا بطرس يعزف الجلو؛ كانت هذه الحفلة على قاعة مكتبة الطفل العربي عام 1973، المجاورة لمدرسة الموسيقى والبالية قبالة المدخل الرئيس لمتنزه الزوراء ببغداد – من إرشيف الكاتب.

 

إحسان إبراهيم أدهم يكتب عن معرفته بالموسيقار شفّو

لقد سمعتُ عن السيد شفّو مُذ كنتُ طالباً في المتوسطة الغربية في الباب المعظَّم، وهي قبالَة موقع مديرية موسيقى الجيش. أعلَمني بهذه المديرية زميل معي في الصف يُدعى نوري وهو إبن سعيد إبراهيم (2) الذي كان معاوناً لمدير موسيقى الجيش شفّو.

في أحد الأيام إستفسرتُ من صديقي نوري عن إمكانيّة زيارة موسيقى الجيش، فكان جوابه مشجعاً بقوله: إن ذلك سهل جداً. فوالده يعمل معاوناً للمدير هناك. وهكذا كانت زيارتي الأولى للمديرية، تُجَّولتُ بين صفوفها والطلبة أثناء تدريباتهم على آلاتهم الموسيقية المختلفة، الذين كان بعض منهم قد إلتحق فيما بعد للعزف في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية وصاروا زملاء لنا فيها.

كانت زيارتي تلك مهمة ومثيرة لدي، فترة دراستي المتوسطة بين 1950 – 1953،  إذ كنتُ أنوي التسجيل في معهد الفنون الجميلة بعد الدراسة المتوسطة لدراسة الموسيقى (آلة الفلوتFlute). كان معنا في المدرسة صديقنا القديم غازي (3). وهو يتذكَّر زميل الدراسة نوري إبراهيم  جيداً، إذ كان الأخير يسكن بجوار مسكن غازي في منطقة العيواضية قرب بيت إحسان

 

I heard about Mr. Shaffu, when I was young and studying at Al-Gharbia Al-Mutawasita at Bab Al-muadham in front of the Military music school, in my class was a student his name Nuri his father was asst. of Albert Shffu his name is (Ibrahim Said), then he became the military band conductor after Shaffu, and he worked for long years as assistant chief for that Military Band.

One day I asked my friend Nuri, how can I visit the M. School, he told me it is very easy ‘I can take you with me’ , then I visited and saw most of the classes and the students were practicing with their instruments, that was very interesting for me. Still in my mind, I think our old friends the musicians from the Military Band can tell you more about Shaffu.

This story was in between 1950-1953 our friend Ghazi might remember too, because he was with me at that time in Al-Gharbia school, and I think my friend Nuri Ibrahim Said was living in the same area in  Al-Iwathiah were Ghazi living. Beat on the wood !!!!!!!!!!!

Ihsan.

  

واليوم، 13 آذار 2006، وأنا أواصل كتابة هذه الحلقة، جاءتني هذه الرسالة القصيرة من صهر آلبير شفّو، بعد إنقطاع عن تبادل الرسائل فيما بيننا دام بضعة شهور؛ يقول فيها:

 

عزيزي باسم

أعتذر لكوني لم أتمكن من فتح رسالتك التجريبية.

آلبيرت ما يزال متمتعاً بعافيته، ومستمراً على كتابة مؤلفات موسيقية جديدة. لقد أنجز حتى الآن (119) قطعة موسيقية.

إنه رجل سيبلغ هذه السنة (89) عاماً من العمر، لذلك فهو بحال جيدة جداً. في نهاية نيسان المقبل سيقيم أستاذ البيانو في جامعة جنوبي كارولاينا في بيته حفلة أصدقاء يقدِّم فيها عدداً من مؤلفات شفّو. نحن ننتظر بلهفة هذه الحفلة.

مع تحياتي. رينيه.

 

Hi Bassim,

    Sorry to advise that your trial message did not work. 

    Albert still doing well, and still composing.  He has now completed 119 pieces.  For a man who will be 89 this year, I think he is doing very well.  In late April a small, intimate recital will be given of a selection of his pieces at the home of a Professor of Piano at the University of South Carolina.  We are looking forward to that.

    Best regards.  Rene

 

وكانت إجابتي على رسالته

عزيزي رينيه

من عادتي أتابع الأشخاص الذين أراسلهم، وبخاصة عندما لا أستلم بريداً منهم. لذلك فإن رسالتي إليك كرسالة تجريبية، كانت لهذه الغاية؛ لقد حصلتُ جرائها على ‘ثمرة‘ طرية.

أشكرك على هذه الرسالة.

لدينا قول شعبي للتعبير عن المبارَكة (ما شاء الله) كتعبير شكر لله. وهنا أقول { ما شاء الله } للأستاذ آلبيرت، الرجل الذي سيبلغ التاسعة والثمانين – طق على الخشب، على قول الغربيين.

وبحسب قولك، أنه ما يزال بحال جيدة ويكتب مؤلفات موسيقية بلغت 119 عملاً.

هذا الخبر يتطلَّب عنايةً خاصّة:

لذلك أرجو تزويدي بمَسرَد (لائحة) يتضمن مؤلفاته الموسيقية؛ إنني بذلك سأبلغ ذروة الملف آلبيرت شفو.

قد أكون متحمِّساً في طلب هذه المواد، لكني لست مغالياً. وكما ترى هنا فإني أرسل لك الحلقة الثانية المنشورة على صفحات موقع (باخديدا) 

 

http://www.bakhdida.net/BassimHannaPetros/CV.htm

 

كما أن الحلقة الثالثة ستظهر على الموقع قريباً.

إن مقالاتي هي بمجملها في اللغة العربية مع مقاطع مستقاة من اللغة الأصل، الإنجليزية كما عند آلبير شفو.

ختاماً، تقبلوا تحياتي وتمنياتي لأستاذي آلبيرت وعائلته، ولكم أيضاً.

المخلص، باسم.

 Dear Rene

 I happen to follow up my addressees in case when nothing is being heard from them. That was my intent when sending you blank message under the title of (trial message); so I got the ‘fruit’ out of it. Thank you for your kind note.

 We have special Arabic Blessing to say (Masha_lla), as an expression of Blessing God’s will; so, I would say (Masha_lla) for Ustath Albert ‘a man who will be 89 this year’ – touch wood, as you westerners say.

As you mentioned that ‘he is still doing well and still composing’ completing 119 pieces.   

This requires special attention: would it be possible for him through you to provide me with his musical repertoire (list of his compositions); it will bring me up to the Climax in documenting Albert Chaffoo.

 I might be very eager, but not greedy, for such material, as you can see here my 2nd episode about him, published at

(Bahkdida - http://www.bakhdida.net/BassimHannaPetros/CV.htm)

 web site; the third will soon appear. Well, my contributions are mainly written in Arabic with quotations in original language, English in the case of Albert.

 Finally, my best regards and wishes for Ustathi Albert and family, and to you as well.

Yours truly,

Bassim.

الهوامش

(1)  إحسان إبراهيم أدهم: مواليد 1934، فنان تشكيلي، خطاط، عازف فلوت أول في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية، ومن الجيل الثالث المؤسس لهذه الفرقة. مقيم مع عائلته في الدانمارك حيث يمارس كلَّ فنونه فيها معرِّفاً بثقافة بلده العراق.

(2)  سعيد قاسم إبراهيم العبيدي: ضابط موسيقى عمل معاوناً لآلبيرت شفو في مديرية موسيقى الجيش، وتولى إدارتها بعد سفر شفو للخارج.

(3)  غازي مصطفى بهجت، من الزملاء القدامى الذين عملوا معنا في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية، كعازف أول للمزمار (Oboe) وهو يقيم في نيوزيلندا منذ ثماني سنوات حيث يدرِّس ويعزف مع بعض الفرق السمفونية.

 

 

2

حلقة أخرى عن الموسيقار الأستاذ آلبير شفّو

باسم حنا بطرس    كتُبَت في آب 2005

لم أعرف الرجل: لكني سمعتُ عنه الكثير. ودارت الأيام، لألتقيه عبر رسائل الإتصال الإلكتروني – الـ (E-mail) فتعارفنا من دون أن نلتقي بالوجه: فهو يعرف الوالد (حنا بطرس) وأنا أعرف عنه ما سمعته بشأنه.

 وكما ذكرتُ في الحلقة الأولى عن الموسيقار آلبير شفَّو، المنشورة على صفحات (فنانونا السريان) لموقع (باخديدا) الإلكتروني، بأني سأتابع الكتابة عنه: كنتُ – في الحقيقة – آمل أنْ ألتقيه شخصياً عند زيارتي للولايات المتحدة الأميركية في نيسان الماضي (2005). لكن لقائي لم يتحقق، لأن المدينة التي يسكن فيها بولاية (جنوب كارولاينا) ما كانت ضمن برنامج الزيارة. لذلك إلتقيته تلفونياً بحديث حميم. كانت فرصة ذهبت هباءً.

 واليوم، إعود لنتلمَّس شفافيَّة هذا الرجل عبر رسالة أنيقة، دافئة، معبِّرة كانت قد وردت منه. يتحدث فيها عن الكيفية التي (أُضْطُرَّ) بها لمغادرة العراق مطلع الخمسينات، في وقت مبكِّر جداً. يتضح من هذه الواقعة أنِّ فترة عمله القيادي في موسيقى الجيش والموسيقى الكلاسيكية في العراق كانت قصيرة.

 غادر شفَّو البلد، في عزِّ شبابِه، تاركاً وراءَه ما قامَ أو أسهَمَ ببنائه. مِن الناس مَنْ إستذكره ويذكره بما يستحق.

 أجل:

أستمرَّيتُ بالمراسلة الإلكترونية مع الموسيقار شفو، وأخذنا نتبادل الذكريات التي نشأتْ في ساحة الموسيقى العراقية، والموسيقى الكلاسيكية منها على وجه الخصوص.

 الرحيل إلى بلاد المهجر

يقول في إحدى رسائله الموجهة لي، إنه ترك العراق في العام 1952، ولم يرجع إليه نهائياً. مُرجِعاً أسباب ذلك إلى إختلافه مع الأمير عبد الإله – الوصي على العرش وولي العهد؛ لنستمع إليه في سرده لهذه القضية:

 مما يؤسف له أن علاقتي بالوصي ماكانت في أفضل أحوالها. فهو يرغب في الموسيقى العربية، وأنا ليس لي مَيل في ذلك.  لذلك كان قراري مغادرة البلاد.. ومع ذلك،  إن الطريقة التي قُتل بها الأمير كانت بشعة،

وكان أسفي كبيراً على مقتله.

 

ثم يضيف شفّو حادثةً لاحقة، إذ يقول 

في العام 1951 – 1952 إلتقيتُ في لندن بوزير المعارف العراقي آنذاك خليل كنّة. الذي أراد منِّي العودة للعراق لتسلُّم إدارة معهد الفنون الجميلة إضافة إلى عملي الأصلي.

فكَّرتُ مليّاً بالعَرض الذي تقدم به الوزير: أعلمتُه موافقتي على العودة.  

لكن الوزير، حين عاد للعراق وبحث الموضوع مع وزير الدفاع (بحكم عملي في موسيقى الجيش)، أعلن الأخير رفضه، نتيجة حادثة "عابرة" جرت في السابق. إستمر الوزير على رفض التعامل معي.

كان ممكناً لي الذهاب إلى (تحسين قدري – رئيس الديوان الملكي) الذي كان صديقاً حميماً لي؛ لم يكن يرفض لي طلباً. لكني  قررتُ أنه من الأفضل أن نعود إلى لندن. وهذا ما حصل فعلاً بسفرنا زوجتي وأنا إلى هناك.

 

ويحدثنا هنا عن إنفتاح أبواب المستقبل في بلاد الغرب 

في العام 1953 كان صديق يعمل في محطة الإذاعة البريطانية (BBC) الذي دعاني لتسلُّم مهام قائد أوركسترا الإذاعة والتلفزيون في نيوزيلندا، بحكم كونه رئيس هيئة الإختيار. بعد دراسة الموضوع بعقلانية قررت أني لن أُقْبَر (أُدفَن) نفسي في هكذا مكان بعيد جداً عن لندن. وبهذا رفضت العرض.

 

كما حصلت على وظيفة للعمل مع أوركسترا هاله، تحت يد السر جون باربيروللي في مانشستر، بمناخها المزعج. كان تصرفي ذاك خطاً كبيراً برفض العمل مع السر جون.

 

وضعي العائلي

إلتقيت زوجتي الإنكليزية العام 1951؛ كانت تعمل بائعة في أحد أكبر الأسواق في لندن. كنا نحن الإثنين مشغوفين بعضنا بالآخر. كانت، كما هي الآن، سيدة جميلة جداً. تزوجنا بعد سبعة شهور.

 

جاءت معي إلى بغداد بدعوة من خليل كنة؛ لكنها لم تُعجَب بالبلد، إضافةً إلى غيرة النسوة في العائلة منها. هكذا قررنا العودة إلى لندن.

 

إبننا الوحيد يعمل جراحاً تجميلياً في كاليفورنيا، وزوجته إختصاصية في طب وجراحة الجلد. لديه ثلاثة أطفال. مما يؤسف له أننا لا نلتقيهم كثيراً، لأنهم بعيدون عن منطقة سكننا.

 

ثم يسألني

      إنْ كنتَ بحاجة إلى أية معلومات إضافية، سأكون سعيداً بتزويدك بها.

 

ويسأل مرةً أخرى

بالمناسبة، ماذا عن الكتاب المنوي إصداره عن الموسيقى الكلاسيكية في العراق؟ هل سيكون باللغة العربية أم الإنجليزية؟ يكون من الأفضل كتابته باللغتين وبهذا تتاح الفرصة لقراءته من الجميع.

 

تقبلوا تحياتي آلبير شفو

 

زوَّدني الأستاذ آلبير رزوق شفُّو بتسجيل لإحدى مؤلفاته للبيانو المنفرد،

وصورته في سنِّه الحالي.

هكذا نفتح صفحة لتأريخٍ منسي.

1

آلبير شفّو الموسيقار العراقي السرياني

الحلقة المفقودة في الحياة الموسيقية الأوركسترالية في العراق

The Salisbury Symphony's first conductor, Albert Chaffoo, served for fifteen years as a music educator for the community and as the music director and conductor of the orchestra.  When he left Salisbury in 1982 he observed, "I think I've done what I wanted to do here.  I leave Salisbury with a symphony I think I can be proud of."

 لأكثر من خمس عشرة عاماً، عمل آلبير شفّو قائداً أولاً لفرقة (سالزبوري) السمفونية، مدربّاً ومديراً فنيّا لها.

عند مغادرته مدينة (سالزبوري) عام 1982، أشار قائلاً:

أعتقد أني قد أنجزتُ ما كنتُ أرغب بإنجازه هنا؛ إني أترك لمدينة (سالزبوري) فرقة

سمفونية أعتز وأفتخربها.

آلبير شفّو (موسيقار عراقي سرياني)

 ومع النشاط الموسيقي الكبير الذي كان يقام من قبل معهد الفنون الجميلة والفرقة السمفونية المشكلة فيه، كانت أجواق الموسيقى العسكرية تعنى أساساً بموسيقى "المسير" بحكم إختصاصها. كنا، نحن الجيل الموسيقي الناشئ الجديد أيامئذٍ نسمع كثيراً عن آلبير شفّو، بخاصة من لدن عناصر الموسيقى العسكرية المؤسسين، أمثال الشقيقين ناصر وخضر برهاوي (وهما أبناء عمومة لعائلتنا)؛ ترى مَن كان هذا الرجل؟

 إختفى فجأةً عند مغادرته البلاد بشكل نهائي لم يعد بعدها سوى مرة واحدة شكَّل خلالها فرقة سمفونية إجتمع فيها عازفون من معهد الفنون الجميلة، ومن موسيقى الجيش، إلى جانب عازفين أجانب، قادها في حفلتها الوحيدة التي أقيمت عام 1952 على مسرح قاعة الملك فيصل الثاني الكائنة في الباب المعظم من بغداد (قاعة الشعب فيما بعد). أجل: اختفى بعدها عن الساحة العراقية، وكانت تلك خاتمة حضوره عراقياً.

 لنترك الحديث له عن تلك المرحلة، إذ يقول في رسالة عبر البريد الإلكتروني (E-mail) المتبادَل بيننا:

 

أصبحتُ في العام 1939 مديراً لموسيقى الجيش؛ كان لدينا عدد من الأجواق، لكنها كانت غير متطورة. لذلك أول ما قمتُ به هو تحديث الأجواق كما في أجواق الجيش البريطاني.

من أنشطتي الأخرى تقديم برامج للموسيقى الكلاسيكية في محطة الإذاعة. كذلك ربط جوق موسيقى الشرطة بإدارتي.

بدأتُ بفرقة بغداد السمفونية مطلع الأربعينات  (Baghdad Symphony Orchestra)، قدمت الفرقة حفلة على قاعة الملك فيصل الثاني. مطلع الأربعينات (1941 – 1943، لست متأكداً من التاريخ الصحيح).

أنتهى هذا الجزء من الرسالة

I became Director of Music to the Army in 1939.  We had many bands; unfortunately they were somewhat old fashioned.  The first thing I did was to modernize them on the same lines as the British Army. 

   My other jobs were, I was organizing the classical programs at the Radio StationAlso the Police Band came under me.  I started with the Baghdad Symphony Orchestra around the early forties (I am not sure the exact time).  We gave concerts at Feisal Hall, sometime between 1941 and 1943

  لنعد إلى الموسيقى السمفونية في العراق:

الموسيقى السمفونية في العراق ليست وليدة مزاج عابر، بل أخذت بالإنتشار رويداً رويداً عبر الأسطوانات الفونوغرافية للكرامفون (Gramophone Records)، التي كان يقتنيها محبّو هذا النوع من الموسيقى، ومن ثم بُعَيد تأسيس المعهد الموسيقي العراقي عام 1936 (معهد الفنون الجميلة فيما بعد) حيث أخذ المعهد على عاتقه تدريس الموسيقى بشكليها شرقياً وغربياً؛ والغربية تعني الموسيقى الكلاسيكية (السمفونية). 

 كما جرى من خلال المعهد تشكيل فرق موسيقية إما على شكل جوق موسيقى الآلات الهوائية والقارعة (Fanfare) التي تولاّها إدارةً وتدريباً وقيادةً مدير المعهد، الموسيقار العراقي حنا بطرس. ومن ثم قاد أول فرقة سمفونية عراقية قدمت حفلتها على حدائق الكلية الطبية الملكية العراقية في العام 1941.

 إستمرت الموسيقى السمفونية بالإنتشار ضمن مساحة محدودة من الجمهور المتلقي لها. ويعود الفضل في ديمومتها، إلى أساتذة وطلبة معهد الفنون الجميلة الذي إحتضن بداياتها ومن ثم تأسيس (جمعية بغداد الفيلهارمونيك) التي ارتبطت بها الفرقة السمفونية منذ العام 48 – 1949. والتي صارت فيما بعد ربطها رسمياً بوزارة الإرشاد (وزارة الثقافة والإعلام فيما بعد) تعرف بالفرقة السمفونية الوطنية العراقية.

 أما على الجانب الآخر فلقد كان لموسيقى الجيش دور مهم في إستقطاب الكفاءات الموسيقية التي برزت من بين صفوفها من الأفراد (ضباطاً وضباط صف وجنود) ضمن تشكيلات أجواق الموسيقى العسكرية؛ كانت هذه الأجواق تؤدي القطع الموسيقية ذات الطابع الكلاسيكي الخفيف، بالإضافة إلى موسيقى المسير (March)  المستخدَمة في الإستعراضات العسكرية. وهكذا كان إهتمام مدير موسيقى الجيش، آلبير شفو، شخصياً، في تشكيل فرقة سمفونية أخرى موازية للفرقة السمفونية الوطنية، لتعمل على نشر الموسيقى الكلاسيكية كثقافة للمجتمع.

 أعود إلى رسائله الإلكترونية المبتادّلة معه، ليتحدث عن ما قام به، فيقول:

عزيزي باسم:

أشكرك على رسالتك الإلكترونية لي وما جاء فيها من أخبار.

طلبتَ مني أعطاءك مزيدٍ من تفاصيل عملي في دائرة ومدرسة موسيقى الجيش.

فلقد قمنا بتدريب الموسيقييى في هذه المدرسة، وإعداد قادة للأجواق الموسيقية، وتطوير كفاءاتهم العزفية والثقافية.

كان لدينا في مدرسة الموسيقى ثمانين موسيقياً؛ إخترنا أفضلهم للعزف في حفلاتنا على قاعة الملك فيصل الثاني. إضافة إلى الإستعانة بهم في الفرقة السمفونية.

+++

شرعنا بفرقة بغداد السمفونية مطلع الأربعينات وقدمنا حفلتنا على قاعة الملك فيصل – كما أسلفنا. تجد في الصورة المرفقة تشكيلة تلك الفرقة في حفلتها المذكورة.

في تلك الفترة إستلمت دعوة للذهاب إلى عبادان لقيادة فرقتها السمفونية المشكلة من منتسبي شركة النفط هناك. قدمنا حفلتين للأوركسترا هناك وكان تعاملهم معي جيداً.

وعندما عدت إلى بغداد أرسلت لتلك الفرقة دعوة لتقديم حفلة هنا. لقد سررت في قيادة الأوركسترا في كل من المكانين. كان من لطفهم أنْ أهدوني ساعة ثمينة تقديراً لخدماتي. وقد إستضافوني هناك بشكل لائق.

+++

بهذا فقد توليت الأعمال الآتية:

1-    مديراً لموسيقى الجيش،

2-    مديراً لمدرسة الموسيقى العسكرية،

3-    منظماً لبرامج إذاعية للموسيقى الكلاسيكية،

4-    قيادة الفرقة السمفونية،

5-    مسؤولية الإشراف على جوق موسيقى الشرطة.

Dear Bassim:
       Thank you for your e-mail and all your news.  You wanted me to give you more details about my work in the Army.

In the School of Music we trained musicians to play, trained conductors to conduct all other Bands, and improve their performance and repertoire.  At the School of Music we had 80 musicians.  Some of the best I used for playing in various functions and giving concerts at Feisal Hall.  Plus the best ones joined the symphony.

***

I started with the Baghdad Symphony Orchestra around the early forties.  (Attached is a photograph of me and the orchestra taken at a performance in Feisal Hall  I hope it comes through with this e-mail -- if not, let me know and I'll try again).  

 

Also in the early 40s I was invited to go to Abadan to conduct their orchestra.  It consisted of employees from the oil company.  I gave two concerts with the orchestra and they treated me very well.  Then when I returned to Baghdad, I invited them to come to Baghdad and give a concert.  I enjoyed conducting at both places.  They were very kind to send me a lovely watch in appreciation.  They were very hospitable

 **

So my jobs consisted of the following:
       Director of Music to the Army
      Director of Music to the School of Music
       Organizer of classical programs at the Radio Station
        Conducting the Symphony
In charge of the Police Band as

well.

 

 معرفته بـ (حنا بطرس)

 تطرقت في حلقات سابقة عن كيفية نشوء التكوينات التربوية الموسيقية الرسمية في العراق، فترة ما بعد تأسيس الدول العراقية الحديثة (المملكة العراقية – 1921)، والتي كانت بمبادرات شخصية من لدن المؤسسين، في زمن ما كانت فيه التربية الموسيقية بمستوى الدولة.

 فكان تشكيل أول جوق لموسيقى الجيش العراقي في الموصل عام 1923، الذي تولَّى حنا بطرس إدارته وقيادته.  في زمن كان جوق الموسيقى العسكرية في بغداد بإدارة ضباط من موسيقى الجيش البريطاني، وعلى رأسهم الميجور كولفلد (ملحن السلام الملكي العراقي). في العام 38 – 1939 تم إختيار آلبير شفو ليكون مديراً لموسيقى الجيش العراقي.

 أردت منه رأيه بشخص الوالد، حنا بطرس، فكانت إجابته وبالبريد الإلكتروني على النحو التالي:

   بالنسبة لوالدك، باسم، فلقد إلتقتُه مرات معدودة ومختصرة. أعرف أنه بدأ بتعليم العزف على آلات الجوق الموسيقي في مدرسة الكلدان في الموصل، ثم تم نقله إلى بغداد نهائياً إلى معهد الفنون الجميلة.

           لقد كان شخصاً لطيفاً جداً. لكني أؤكد أن لقاءاتي معه كانت محدودة؛ وهذا كل ما أستطيع أعطاؤه لك.

As for your father, Bassim, I only met him a few times briefly.  I knew he started teaching band instruments to the best of my knowledge at the Chaldean School, and finally transferred to the Institute of Fine Arts.  He was a very nice person, but honestly I had so little contact with him, so that's all I can give you

 أخذت بتبادل المراسلات مع الأستاذ الموسيقار آلبير شفو، فهو بالنسبة لي كباحث موسيقي، مصدر غني من بين المصادر النادرة للبحث في موسيقى العراق؛ وهو – بالتالي، شيخ كبير، يبلغ اليوم ثمانية وثمانين سنة من العمر، أطال الله في عمره.

ولعلَّ أفضل حلقة من المباحثات معه، كانت حديثاً بالتلفون معه أثناء جولتي في أميركا في نيسان 2005؛ تعذَّر علي الذهاب إليه لضيق الوقت وزحمة برنامج الجولة. لا أستطيع وصف فرحه وهو يتحدث إلي، ونحن كلانا لم نلتقِ يوماً ببعض! طلبتُ منه تزويدي بتسجيل لمقطوعة موسيقية من مؤلفاته للبيانو المنفرد، وصورة له في الزمن الحاضر. أتاني البريد بعَيْد عودتي إلى أوكلند، محتوياً على رسالة "أنيقة" تقول:

24 نيسان 2005

عزيزي باسم:

سررت بمكالمتك التلفونية من شيكاغو، تأسفت لعدم تمكنك من زيارتنا – الرحلة جواً إلينا تستغرق حوالي ساعة ونصف الساعة فقط من شيكاغو.

أرفق لك طياً شريط تسجيل كاسيت يحتوي عملين، الأول لأوركسترا سالزبوري لمناسبة إحتفالها بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها، حيث طُلب مني قيادتها كوني مؤسساً لها.

والثاني مقطوعة موسيقية من مؤلفاتي للبيانو المنفرد، بعنوان (حلم بمزاج مفرح) أدّاها أستاذ البيانو في الجامعة. بعد العرض طُلبَ مني الوقف لتحية الجمهور.

كما أرسل طياً صورتي؛ إني الآن في الثامنة والثمانين سنة من العمر، لكن ذاكرتي ما تزال صافية.

آمل أنك تمتعت بجولتك في أميركا.

مع تحياتي. السلام.

April 24, 2005.

Dear Bassim

It was so nice to talk to you on the phone from Chicago, I am only sorry that you were not able to come down to see us – it is only abut one and a half hour flight from Chicago.

I am herewith sending you a Tape of two occasions, the first is the Salisbury Symphony when they celebrated their 25th anniversary and they asked me to go down and conduct them, having been the founder of the Orchestra.

The second side of the tape is the recital which was given by one of the Piano Professors at the University, my piece for piano solo entitled (Dreaming Joyful Moods); after performing them I was called to stand up to greet the audients.

I send you a photograph; I am now 88 years old but my mind is still clear.

I hope you enjoyed your trip to the U.S.

With my kindest regards

السلام

  ختامها مسك – هذا هو آلبير شفّو

ويخاطبني في رسالة سابقة منه قائلاً:

وختاماً، أريد أن أعرف شيئاً عنك.

أين درستَ الموسيقى؟

كم صار لك في نيوزيلندا؟

كذلك، ماذا تعمل الآن، هل لديك مهام في الموسيقى هناك؟

وأيضاً، هل زوجتك من بغداد؟ هل لديك أطفال؟

مع خالص تحياتي.

 آلبير شفو.

       Finally I would like to know something about you.  Where did you get your musical training?  Also, how long have you been living in New Zealand?  Also, what are you doing there now, are you involved only in music?  Also, is your wife from Baghdad?  Any children?
       With kindest regards.  Sincerely, Albert Chaffoo

 

 ملاحظة: أضطر آلبير شفّو لمغادرة العراق عام 1952، لخلاف حصل بينه وبين الأمير عبد الإله، ولي العهد والوصي على العرش، حيث كان الأمير يميل إلى موسيقى التراث العراقي ولا يهتم للموسيقى الغربية (هكذا كانت تدعى) والكلاسيكية منها بوجه الخصوص. توجه آلبير إلى بريطانيا ليستقر فيها قائداً للفرق السمفونية، قبل إنتقاله بشكل دائم إلى الولايات المتحدة الأميركية.

باسم حنا بطرس

باحث في علوم الموسيقى

كتب في أوكلند بتاريخ 19 أيار/مايو 2005.