بشار الباغديدي

ثمرة الحب
صدر للشاعر بشار الباغديدي مجموعته الشعرية البكر (ثمرة الحب) 2004 . كتب لها الشاعر الدكتور بهنام عطاالله مقدمة تحت عنوان (سقف الذاكرة الحية ومدلولات الروح في (ثمرة الحب) .احتوت المجموعة على (29) قصيدة ، حملت كما جاء في مقدمتها بصمات النصوص الدينية والليتورجية الكنسية الحالمة ..) . وقعت المجموعة بـ (77) صفحة من القطع المتوسط . تم الإخراج والتنضيد في دار مار بولس / قره قوش

 

سقف الذاكرة الحية ومدلولات الروح   

في (ثمرة الحب)
د. بهنام عطاالله                                                                                                        

   

 تحملنا قصائد الشاعر بشار الباغديدي ، بعيداً على أجنحة الشعر المقدسة ، ضمن مهيمنات تحمل بصمات النصوص الدينية والليتورجية الكنسية الحالمة .. تحملنا إلى تلك الروح الوثابة الهابطة من سماء الكون ، حيث أصوات الملائكة ، انه مفتون بلغة وروحية القديسين ، وتناغم الترانيم المنطلقة من أرجاء الكنائس والأديرة وصوامع الرهبان .. فمنذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أتابع هذا الأديب المثابر ، الذي وزع اهتماماته بين الشعر والمقالة فضلاً عن الرياضة ..

   يتداخل الحلم بالواقع في كتابات الشاعر ، وهو يحاول لملمة ما تبقى من الحب والوئام والسلام ، في عالم يسوده العنف والبغضاء والحسد والنميمة ، من خلال نسجه لصور هي غاية في الجمال والروعة الفنية ، إنها نصوص تظهر خضوع الذات إلى الله وخشوعها في محرابه القدسي ، وليحقق تواشجاً جلياً وتناغماً واتحاداً روحياً مع يسوع ، لاستجلاء المشهد الإنساني ، المؤثث بالحنين إلى مملكة الرب وبياضات الملائكة والقديسين : (أمل أن أشابهك فـي السماء / وارى سمات آلامك المقدسة/تسطع في جسدي المجيد).

يحاول الشاعر أن يبني من خلال نصوصه عالم خاص به ضمن البعدين الواقعي والدلالي ، حيث الدلالة عنده هي بمنزلة الكاشف لمستويات الوعي الإدراكي لدى المتلقي . فعندما تقرا لهذا الشاعر المتيم بالقصائد الروحية والدينية ، فانك تحلق عالياً في سماء المحبة وبذل الذات ، لتنشد معه ترتيلة الحب الأبدية ، إنها قصائد بيضاء نقية ، يتحول فيها الخيال إلى واقع داخل النفس .. فتشع النفس وقاراً وحباً وعطاءً لا ينضب ، ضمن انسيابية سلسة مرسومة بإتقانٍ محكم ، عاكسة من خلالها تكثيف المرجعيات الدينية والخبرات الحياتية المتراكمة ، التي تكشف عن مواطن العشق الإلهي المعلق في سقف الذاكرة الحية.

   إن لغة الشاعر ، لغة واضحة المعالم ، يقتنص من خلالها الحدث الذي يتنامى بشفافيةٍ مموسقةٍ بحوارات الجدل ، وحمى التساؤلات الكونية التي تنتابه لشرح قضيته للمتلقي ، فهو يخضع نصوصه لمدلولات الموروث الديني والتاريخي والنفسي ، لينشأ منها عالم جميل ينبذ الأنانية والجريمة.

   الشاعر من خلال نصوصه في (ثمرة الحب) ، يقدم لنا أولى تجاربه على طريق الشعر بتأنٍ وروية ، ويقدم لنا شبكةً من المعطيات الحسية ، ويمد أمامنا جسوراً روحية وقدسية من مملكة الرب ، انه يحلل قلق الإنسان إزاء ما يحدث في العالم ، ويقدم حلولاً للمشاكل والصعوبات ، متخذاً من سيرة وحياة الفادي يسوع المسيح له المجد ، طريقاً سالكاً للجميع ، حيث بذل نفسه رخيصة من اجل خلاص البشرية. انه يحاول أن يكرس ذاته في الحياة حباً ليسوع المسيح . فيسوع (له المجد) في كتابات الشاعر هو ( ثمرة الحب ) . حيث ان تلك الثمرة كما جاء في الغلاف الأخير من مجموعته هي:( الاستسلام الكامل لمشيئة الأب ، متجرداً من كل الماديات ، طائعاً رب الأرباب ، متجرداً عن كل الملذات الفانية ، إلا لذة الحب ، لان الله محبة ، فما اجمل أن نغرس شجرة الحب هذه في تربتنا الضعيفة ، في كياننا الفاني نسقيها بدموع الانسحاق والتواضع والتوبة ، لتكن ذبيحة غير دموية ، فتثمر ثمراً روحياً فينا ) .

 

    بخديدا (قره قوش)  / أوائل 2004

 

 بغديدة : بشار الباغديدي

 

في كل يوم

كنت اضربُ

في شوارِعُكِ القصية

البقايا المنسية

كضروب عاشق ...

وضحكة صبية ..

وافتح عيني عليك .

وقلبي وذاكرتي ..

 واوراقي الندية

فأراك مسافرة

بين السواقي والقناطر

مسافرة بين ايامنا

ولحن البيادر ..

مودعة الطقوس

واجمل الشعائر ..

حبيبتي

في سماكِ

تخوم الحَمامُ

وعلى الأقبيةُ السبعُ تُلاقي .

كلقاء عائد

بعد طول فراقِ .

تمارس طقوس الغزل

بين نفار وعناقِ

ومن فَيّ القناطر

تستظيل .. وتبني المساكن

 

 

فراق

بشار الباغديدي

 

مَن يَحملُ خطيئتي

خطيئةً لم تُرتكب

خطيئةً تَثملُ جُرحاً

تَشُق كخارطةِ

جسداً عار

وعلى اطرافهِ الندية

تنهمر المدامعُ

الشجيةَ .. السخيةَ

فما لعيني

إلا البُكى

فهو معيني وسليلي ..

والاذيةَ ..

خليليَ من يَبكي معي

يُبكيني .. ويَبكي

يُشاركني آهاتي

على لحنِ قيثارةٍ

بلا وترٍ ..

يُوقضُ معي طقساً

ويقفُ لصمتي ..

كخشوعِ راهبٍ

وصومٍ ونذورٍ ..

يرسم لحناً

ليوم الفراقِ ..

يوم تشدو نفسي

طرباً

بجمهرة عشاقِ ..

ويورد صدىً

 

تذوب فيه

المآقي ..

يا حَبيبي

يا صديقي

لا .. لا رأتني عيناك ساعتها

في مخاض وعناقِ ..

مودعاً احبتي

الى لقاءِ

في لاء .. وفي سماءِ ..

كنت في يومٍ

يمرح فيه الحزن

كأنه عيداً

لمؤاساتي ..

عيدُ يودع قُبلاً

ويستذكرُ حَسرتي

لو تراني وأدمُعي سائلات

كأنها الندى في ليل الشتاءِ

شَارقت مساريها

كرحيل القوافل

قاسمت ضوء الصمت

على خدي الطويل .. الطويل

كان الفؤادُ من حزنهِ

غارقُ في احتراقِ ..

ليت لعمري لم ألد يومها

ولا رأت عيني المشاقِ ..

شاخت قدمي ..

 

شلت قواي ..

حتى كدت ارى

الاسى عرساً

مضيئاً بخطايا ..

وزمناً ملوكياً

يقاسم مدياتهُ بأفراحي

فصار ليلي نهار

ونهاري ليل

وبات مسيري حزناً

يُشيخ احلامي ..

موثوقاً بأحبتي

بوثاقٍ كزُنارِ ..

فما لي إلا البُكى

غير اشتياقِ ..

ابكيكَ من قلبي

وابكيكَ يا قلبي ..

انتَ من سقيتني

كأس الاسى ..

وتجرعُتها كساقِ

بلا إحساسِ ..

فتاهَ قلبي ومالَ أونها

وانتهي ابداً ..

كشمعة تذوب باحتراقِ ..

 

 

 

 

 

يتمادى عُشقي

ليطرق باب المنازل

امرأة .. بانتظار مهاجر

جاءت اليه تهز مواجعة

كلوحةٍ ..كشاعر

توقضنا

ضحكة طفلة

وافيق من حلمي المحاصر

بين الاف المكائد ..

سيدتي

من يرافقني اليكِ الان

وانا اراك متعبة

مودعة حُلتك البهية

الشال والاسوار ..

الخلخال والزنار ..

احاول ان ارتمي بين ذراعيك

وانفض غبار قميصي

غبار الزمن المشاكس ..

آه لسيدتي

مُذ رحَلتُ

وانتِ تراودين دمي المباح

وقد كبُرنا .

ومعي حلمي