لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

تاريخية وروحانية الصوم

معنى الصوم

انه انقطاع اختياري لوقت محدد عن كل طعام أو شراب، حيث تمتاز فترة الصوم منذ القدم ولا زالت حتى يومنا هذا بكثافة روحية وممارسات دينية خاصة وجهد كبير يُقوم المسيحيون حياتهم الروحية.

الرقم 40: يدوم الصوم أربعين يوماً ولهذا الرقم مدلولاته التربوية والروحية: لقد صام يسوع أربعين يوماً في البرية، يعلمنا من خلالهِ كيفية محاربة التجارب والتغلب عليها، قضى شعب الله أربعين سنة يجابه التجارب في مسيرته التحريرية من العبودية إلى حرية أبناء الله. قضى موسى أربعين يوما على جبل سيناء استعداداً لتسلم أوامر الله. (خروج24: 18) وصام إيليا أربعين يوما استعداداً لملاقاة الله. (1ملوك19: 18). يمارس المسيحيون الصوم كي يحقق فيهم العبور من الموت إلى الحياة، ومن عبودية الخطيئة إلى حرية أبناء الله (رومة 8: 21). إنها الحقيقة التي حصلنا عليها بالعماد.(رومة 6: 3ـ11) و (قولوسي 2: 12).

يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني على أبعاد الصوم الكبير الفصحية والعمادية قائلاً: "إن الطابع المزدوج لزمن الصوم الأربعيني، الذي يهيئ للمؤمنين للاحتفال بالسر الفصحي خاصة بذكرى العماد أو تهيئته، وبالتوبة إذ يسمعون بتواتر متزايد كلام الله ويتفرغون للصلاة، يجب أن يوضح في الليتورجيا أو في التعليم الطقسي". (دستور في الليتورجيا 109).

هناك ثلاثة عناصر ساهمت لتكوين الصوم الكبير، كما نمارسه اليوم، وذلك خلال القرون الأولى للمسيحية وهي:

*إعداد المؤمنين للاحتفال بأعياد الفصح.

*إعداد الموعوظين للعماد الذي كان يمنح عشية عيد القيامة.

*إعداد الخطاة التأبين لنيل الغفران والمصالحة، وكانت تجري مراسيمه ايضاً خميس الفصح أو عشية عيد القيامة.

لقد انتشرت ممارسة الصوم الكبير بعد القرن الرابع الميلادي، إلا أن هذه الممارسة كانت في فجر المسيحية بسيطة جداً، ثم تطورت متنقلة عبر مراحل عديدة، إلى أن بلغت الأسلوب المعروف والمتبع في أيامنا.

كان الصوم يقتصر في البداية على ثلاثة أيام وهدفهِ إعداد المؤمنين كي يحتفلوا بعيد القيامة، وبما أن المسيحيين اعتادوا أن يصوموا يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع طيلة أيام السنة، فقد تطور الصوم الذي يسبق عيد القيامة في مرحلة ثانية بحيث شمل الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة.

 وفي بداية القرن الميلادي الرابع امتد صيام هذا الأسبوع إلى أسبوعين آخرين بحيث أصبح ثلاث أسابيع باستثناء الآحاد حيث كان الصوم ممنوعاً لأن الأحد يعتبر عيد القيامة. ولا زال مستمراً حتى يومنا.

هكذا نظمت الكنيسة خلال القرن الميلادي الرابع والخامس فترة صيام توبوية وإستعدادية لعيد القيامة تدوم أربعين يوماً يشترك بمراسيمها الموعوظين والتائبون وذلك إحياء لذكرى صوم يسوع الأربعيني ولا زال حتى يومنا. ومنذ ذلك الوقت أصبح الصوم الأربعيني مقبولا في الكنيسة وإلى يومنا هذا.

 حيث كان الصوم قديماً فترة خاصة لتحضير الموعوظين المسجلين لقبول العماد في عشية القيامة. ولكن بعدئذ أصبح الصوم فترة لممارسة التوبة من قبل الخاطئين الذين تقدموا لطلب الغفران بصورة رسمية في نهاية الصوم (خميس الفصح) من قبل الأسقف. كما كان الصوم فترة للنضال الروحي من قبل المؤمنين الذين حاولوا ذلك من خلال الاشتراك الحقيقي بأسرار حياة يسوع وآلامه وقيامته. وعلى غراره قاموا بالنضال ضد الشر والظلام ليخرجوا من العبودية ويمجدوا الحياة الحقيقية. أما كنيستنا السريانية الانطاكية فهمت الصوم كفترة للشفاء والغفران، بمعنى أن الله يشفي الإنسان الذي يحفظ وصاياهُ.

ــــــــ

تاريخية الصوم: ملزمة الفرض الالهي، المطران جاك اسحق.

الصوم في حياتنا:

        نشهد اليوم نزعة إلى إلغاء الصوم وخصوصاً لدى الشباب، الذين يعتقدون أنهم غير مشمولين بهِ حاليا، بل يشمل الأعمار المتوسطة والمتقدمة في السن، وهذا الاعتقاد يأتي نتيجة جهل الإنسان بمعنى الصوم وكيفية عيشه والفائدة والنعم التي تُجنى منهُ. إن ممارسة الصوم شخصياً وكنسياً يشكل جزءاً رئيسياً من إتباعنا ليسوع الذي صام (مت 4: 2) وينبع كذلك من طاعتنا لهُ الذي قال لتلاميذه أن يصوموا (مت 6: 16ـ18). نلاحظ من تجارب يسوع من قبل الشيطان بان جوابه كان مأخوذاً من كلمة الله. "مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان....مكتوب لا تجرب ... مكتوب للرب تسجد....وكلمة مكتوب هنا تعني هذا هو كلام الله: إذاً سلاح يسوع لمحاربة الشيطان كان بكلمة الله.

فالصوم إذن هو وقفة تأملية، وقفة مع ألذات، (مراجعة شريط الحياة) لغرض الفهم والتوصل لكل ما هو سلبي لنبذهِ، والتمسك بالإيجابي لتقويته، إنهُ بمثابة فرز، غربلة الفكر والقلب والأعمال، ثورة داخلية لإلغاء كل الشوائب بغية إبقاء ما يخدم ألذات والإنسانية. كما انه يوجه أنظارنا نحو هدف إنسانيتنا وهو الله. لكي نتمكن من الالتقاء به، وان ندع لروحه أن يعمل فينا، فثمر الروح: المحبة والفرح والسلام واللطف والوداعة. (غل5: 22).

هكذا يغدو الصوم، يقظة روحية، استعداد روحي، لتقبل كلمة الله والتأمل فيها وإعطاء الوقت الكافي للصلاة والقيام بأعمال توبوية وخيرية، ليكون الصوم زمن توبة واهتداء وغفران، يرفع الإنسان نظره إلى الله ويمجدهُ ويعترف به خالقاً ومصدر وجودهِ، ثم ينعطف إلى الآخر الفقير المحتاج، فيصبح الصوم مشاركة وانفتاح على سر المسيح وعلى الاخرين. الكنيسة الأولى عاشت هذه الشركة بمقاسمة الخيرات الروحية والمادية فيما بينهم (اع2: 44_ 45). هكذا يدخل الانسان في علاقة ديناميكية، يجسد من خلالها الوصية العظمى:"أحبب إلهكَ من كل قلبك...ثم أحبب قريبكَ كنفسك".

ولغرض تفعيل هذه المشاركة ينبغي مقاسمة مائدتنا مع الفقراء والانتباه إلى وجودهم، وتفهم احتياجاتهم، والمبادرة السخية إلى مساعدتهم قدر المستطاع. وفي هذا الصدد يقول النبي (اشعيا 58: 6_ 7): "الصوم الذي أُريدُه أن تُحَلَ قُيودُ الظلم وتُفَك مَرابِطُ النيِر... وان تفِرشَ للجائعِ خبزَكَ وتُدخِلَ المسكينَ الطريدَ بيتَكَ، أن ترى العُريانَ فتَكسوه ولا تتهربَ من مساعدةِ قريبِكَ".(أجدادنا كانوا يلتفتون الواحد للأخر بمقاسمة الأكل والنظر إلى المحتاج والمعوز وهذا كان يتزايد يوم الأحد بصورة أكثر لما يحمل من خصوصية). لماذا لا نعيده اليوم؟

 المشاركة ليست الاستفادة من الآخرين واستغلال فقرهم وطاقاتهم بدافع الجشع وحب السيطرة. لان المسيحية عطاء سخي، لا انغلاق واحتكار يعود بالفائدة لفئة دون الأخرى، بل تشمل الجميع على السواء. انه الوجه المشرق الجذاب من الصوم، الذي من شأنه أن نلقي تجاوباً عميقاً وفعالاً من الجميع، مهما كانت أوضاعهم الصحية، والاقتصادية والاجتماعية.

وقبل أن يكون الصوم انقطاع عن الطعام، إنه انقطاع عن الرذائل (الحسد، الأنانية، الجشع، الازدواجية، الأحكام المسبقة لتهميش الآخر، انتهاك حرية وكرامة الآخر....)، فالانقطاع عن الطعام لا يأتي بثمرٍ ما لم ينعشه الدافع الروحي (مثلاً: امتنع عن الطعام وأنهش بالآخر).

        أن ما يهمنا في الصوم ليس انقطاع عن الغذاء فقط بل أن نصوم: من أفواهنا، حركاتنا، أفعالنا، من حقيقة الشر التي تكمن في داخلنا، بغية الدخول في علاقة شفافة وصادقة مع الله والآخر، وأن نشترك ونتحد مع يسوع في حياتنا. كي نستطيع أن نحمله في قلوبنا لنعطيه للآخرين، وهكذا نغدو ناقلي البشرى _الكلمة في عالمنا.

        ومن هنا نختبر بان الصوم هو انطلاقة جديدة، زمن تحرير، من كل ما يستعبد الإنسان (عبودية المال، الإدمان، السلوك المنحرف، السلطة، الصراعات الداخلية....)، بالتحرير يُخلق الإنسان من جديد. الإنسان الحر لا يمكن أن يكون قلبه وفكره إلا لله وحده الذي حررهُ: "أنا الرب الذي أخرجك من أرض العبودية..."(خروج20 _ 2).

مع محبتي الأب أنور زومايا
وفي الختام ينبغي أن ننتبه إلى صومنا كي لا نقع في مزالق، عندما نجعل منه مشروع لتخفيف الوزن، أو مجرد تأدية فريضة دينية، أو يكون دليل على امتياز في التقوى. وفي هذا السياق يقول يوحنا فم الذهب: "إن للصوم قواعد وشروط، فالصوم يُضر لا ينفع من لا يعرف قواعده وشروطه".