Museum

متحف

فنانونا السريان

فن

رياضة

أدب

أعلام

أرشيف الاخبار

منتديات السريان

بريد القراء

موارد السريان

السريان

حياتنـــا الليتورجيــــا

كنيستنا السريانية في ينابيعها

الدكتور: أمير حراق .. جامعة تورنتو

 

تقع سوريا وسط العالمين الأغريقي والسامي لذا فتحمل المسيحية المشرقية سمات هاتين الحضارتين العريقتين،

وقرب سوريا من فلسطين وضعها في قلب الرسالــة المسيحية. فقد تمّ اهتداء مار بولس قرب دمشق (أعمال 9)، وحسب تاريخ أسابيوس القيصرى (قرن 4 و 5) كان مار بطرس أول أسقف على أنطاكيـا ومن هذه المدينة أتخذ أتباع يسوع لقب " المسيحيون " (أعمال 11 : 26) . وفي بداية القرن الثاني أعطى مار اغناطيوس الشهيد أسقف أنطاكيا تعليمات بالغة الأهمية فيما يخص ادارة الكنيسة الناشئة ولاهوتها وروحانيتها .

منذ بدايات القرن الرابع بدأت مدرسة أنطاكيا ، وكانت مركزا دراسيا كبيرا ، تعبّر عن مفهومها اللاهوتي . ففسرت الكتاب المقدّس حرفيا وتاريخيا وواقعيا، مركّزة على شخصية المسيح الناسوتية، بينما راحت مدرسة الأسكندرية في مصر تفسّره من زاوية رمزية مركزة على شخصية المسيح الالهية . أدّى هذان المنظوران الى اختلاف في المفاهيم اللاهوتية فيما يخص المسيح سرعان ما اتخذت مواقف متصلبة تمثلت بالعقيدة النسطورية والمونوفيزية، حُرِمت الاؤلى في مجمع أفسس المسكوني عام 431 والثانية في مجمع خلقيدونية المسكوني عام 451 . في بدايات القرن السادس استولى المونوفيزيون على زمام الحكم في سوريا وسرعان ما أسقطهم الخلقيدونيون عام 518 وفي الحالتين بتدخل الملوك البيزنطيين. فقامت كنيستان كبيرتان، الملكيــة (نسبة الى "الملك" البيزنطي الخلقيدوني) والسريانية الارثدوكسية (سميت جزافا يعقوبية نسبة الى المطران يعقوب البرادعي المونوفيزيتي) .

بينما كانت المدارس اللاهوتية تتنافس في مفاهيمها اللاهوتية ، قامت حركة نسكية على مستوى الشعب اتخذت طابعا تقشفيا قاسيا ، ثم تأثرت هذه الحركة بالمؤسسات الرهبانية المصرية واليونانية في نهاية القرن نفسه  فقام العاموديون (عبدوا الله فوق عواميد عالية) بعد أن اتخذ هذه البادرة النسكية القديس مار شمعون العمودي ( 386 ـ 459 ) قرب حلب، وانتشروا في أرجاء سوريا وأبعد منها على مدى قرون عديدة . بالرغم من الطابع التقشفي للنساك فقد لعب هؤلاء دورا كبيرا وبنّاءا على الصعيدين الكنسي والاجتماعي. أما الناسكات فقد اشتركن شخصيا في الحياة الشعبية الخاصة للجماعات المسيحية وتركن تأثيرهن البالغ على العوائل وحتى على الكنسيين.

خلال القرون العربية الاولى ، حافظ المسيحيون على مراكز عالية في المجتمع الاسلامي رغم مضايقات واجراءات تعسفية متفرقة تجاههم . فعمل العديد منهم بالادارة والترجمة والتربية والبناء والتجارة. وكمؤشر الى تغلغلهم في المجتمع العربي أنتج المسيحيون أدبا خاصا لهم باللغة العربية منذ القرن الثامن بهمة تيودور ابن قرّة، بينما ترجم الملكيون ليتورجيتهم السريانية الى العربية منذ القرن الثاني عشر .

خلال الحكم العثماني ( 1516 ـ 1918 ) انضمّت البطريركيات الكنسية الشرقية الى الادارة العثمانية ، بينما أدت العلاقات المتفتحة مع أوروبا الى تأسيس كنائس كاثوليكية تفرعت من الكنائس الملكية والسريانية الارثدوكسية .

ساهم المسيحيون في سوريا ولبنان خلال القرن التاسع عشر بصورة مباشرة في نهضة أدبية وخلقوا هوية عربية قومية جديدة تجاوزت الانتماءات الطائفية وما زالت هذه الهوية ومضامينها تلعب دورا سياسيا في الشرق الأوسط .

على الصعيد اللاهوتي تقاسم الكنائس الشرقية الكاثوليكية لاهوت الكنيسة الرومانية الأساسي ولكنها تشارك الكنائس السريانية الأخرى، تراثها اللغوي والروحي والليتورجي قاسمها المشترك، فهي في الأصل كنائس موحّدة الايمان والتراث .

 تعتبر جميع الكنائس السريانية اللاهوت الدراسي غير ذي قيمة إن لم تعشه الجماعات المسيحية في خضم حياتها العملية وذلك عبر ليتورجيتها العريقة الرائعة التي تسمى وبحق "اللاهوت الحي". فتاريخ الخلاص منذ بشارة مريم العذراء وعبر كل خطوة من حياة المسيح على الأرض مرورا بصعوده الى السماء وانتهاءا بجلوسه عن يمين الله، تحتفل به الليتورجيا وبأبهة في أعياد واحتفالات وتذكارات دورية قمّتها عيد القيامة اساس ايمانها المسيحي

تؤمن الكنائس السريانية بالثالوث المقدّس حسب قانون ايمان مجمع نيقية وتسمي ابن الله "السيد" و "المخلص" من أعظم ألقاب يسوع. تلعب "أم الله" دورا رئيسيا في تاريخ الخلاص لذا فالليتورجيا السريانية تكرمها علنية وشعبية وبعظمة ولها كنائس عديدة سميت باسمها. وتحت تأثير الكنائس السريانية ، يكرم المسلمون " مريمانا " (بالتركية بعنى " الأم مريم ") إكراما لا يقل اهمية ويشتركون مع المسيحيين بالصلاة لها خاصة في مدينة الموصل في عيد انتقالها الى السماء في 15 آب من كل سنة .

تنقل الكنيسة تعاليمها اللاهوتية الى المؤمنين عبر طقوسها التي تحتوي على قراءات من العهدَين ، وتفاسير الأحداث الخلاصية في صلوات السدرو ، وأناشيد شعرية وقصائد تعليمية تنشد جميعها . معظم هذه الأناشيد والقصائد تعود الى مار أفرام الملفان ( 306 ـ 373 ) وقد شحنها بالمعلومات اللاهوتية والتحذيرات من الهرطقات . أشعار أخرى هي نتاج لاهوتيين عظام أمثال مار يعقوب السروجي (521ـ451) ومار بالاي (منتصف القرن الخامس) كما تحتوي الليتورجيا ايضا على بقايا التراث اللتورجي العريق لكنيستَي اورشليم وأنطاكيا.

يثمّن اعضاء الكنائس السريانية طقوسهم فيحتفلون بها جماعيا وعلنيا. وإذ يرأس الكهنة صلواتهم الطقسية، فالشعب يشترك بها فعليا عن طريق أجواق الشمامسة الرسائلين والقارئين والمزمرين والعديد من الشباب غير المرسومين. الليتورجيا برمتها ومن ضمنها قراءات الانجيل تُلحّن والموسيقى الدينية هي مدنية أيضا. تدعو رائحة العطور وآلات الموسيقى (الصنوج والمراوح) والفن الكنسي والكتابات السريانية داخل الكنيسة جميع المؤمنين للصلاة ومنها يرتشفون مبادئ لاهوت كنائسهم الأصيلة .