عبد السلام سمعان الخديدي

 الكثير من المواقع الأثرية في باخديدا تؤكد التواصل الحضاري والتاريخي وتدلل على عراقة سكان بخديدا والمنطقة في التاريخ
لقاء: ميخائيل بنيامين-بهرا

السيد عبد السلام سمعان الخديدي، منقب آثار وعضو جمعية الآثاريين العراقيين، خريج قسم الآثار كلية الآداب/ جامعة الموصل لعام1973. انتهى مؤخرا من إعداد بحث بعنوان "الجذور التاريخية لباخديدا وسكانها"، والجدير بالذكر انه بدأ العمل فيه مباشرة خلال الخريف الماضي وبعد إجراءه لعملية استئصال ورم سرطاني في فروة الرأس (نتمنى له السلامة الدائمة)، والكتاب الآن جاهز للطبع ومن المؤمل أن يرى النور خلال الفترة القادمة. وإذ تسنى لنا الاطلاع على نسخة منه، فقد أثار فضولنا لأن نلتقي الباحث وجها لوجه لما تميز به البحث باتباعه طريقة علمية وموضوعية في إثبات تواصل ماضي وحاضر باخديدا، وبالاعتماد على تقديم أدلة مستقاة من الآثار والتراث والتاريخ الغني للمنطقة وسكانها والمتمثل في العادات والصناعات والحرف التقليدية واللغة والعمارة والأزياء.. إلخ إلى جانب دراسته للدلائل الآثارية، وقد دعمته خبرته وممارسته العملية لهذا الاختصاص لعمله كمنقب آثار، كما دعم بحثه أيضا أجراءه لمسح ميداني مبسط لاستبيان الصفات العرقية لسكان باخديدا، هادفا من وراء كل ذلك تأكيد واثبات التواصل الحضاري لمنطقته وابناء جلدته الممتد إلى عمق التاريخ الآشوري السحيق. ولاعتقادنا بقلة هذه البحوث العملية والعلمية والمستندة إلى الملموس من الموروثات في مقابل ضرورتها وأهميتها الكبيرة، رغبنا في اخذ هذه المساحة من الحوار مع الأستاذ الباحث:

- بداية ، هل لكم أن تحدثونا عن بدايات عملكم كمنقب آثاري، وما هي أهم المواقع الأثرية التي عملت فيها واهم الدوائر والشخصيات التي عملتم معها؟.
* كان أول عملي كمنقب آثار عام 1975 حيث نسبت في حينه من قبل دائرتي الآثار والتراث/ بغداد.. كمشارك عمل مع جامعة شيكاغو برئاسة البروفيسور مكواير جيسون للتنقيب في مدينة نفر، كما واصلت عملي في المسح الآثاري بعدها مع البروفيسور روبرت ادمز، وبعد ذلك عملت مع بعثات أجنبية متعددة الجنسيات في مواقع عدة شمال وجنوب العراق اذكر منها البعثة الألمانية برئاسة د.فنك بايز في الوركاء ثم المدرسة البريطانية برئاسة د.جون نيكولاس بوشكيت في ابو صلابيخ وكذلك عملت مع البعثة النمساوية برئاسة د. هلكا في موقع عنزة ومع جامعة مانشستر برئاسة د.جارلس بيرني في موقعي الخاتونية والخنخون ومع جامعة ادنبرة في موقع بيرهامي ومع البعثة الألمانية برئاسة د. سورنهاكن في بابيرة ومع البعثة الإيطالية الألمانية المشتركة برئاسة د. كرنون ولهام ود. زاكنني في كرانة ومع البعثة البولونية في موقع نمريك البالغ الأهمية والإيطالية في نمرود وبعثة المتحف البريطاني برئاسة د. جون كيرتس في قصرج ومصرج ومع بعثة المتحف البريطاني برئاسة د. مايكل رؤون في موقع محمد عربي وغيرها من مواقع كما عملت مع بعثات عراقية في مواقع الحضر واسكي موصل وتل ياثة وخربة زكريا في باخديدا ومع مشروع سد بادوش في موقع خواجة خليل وقرية يوسف ودخيل ورمو كما عملت رئيسا لهيئة او مديرا لمشروع في سد الموصل او اشور ومرقد ابن الجودي واور. وكذلك عضوا مع هيئات عراقية في مشروع ري الجزيرة الشمالي والجنوبي اذكر منها مواقع دخيل وتل الهوى وغيرها.

- برأيكم ما هي أهم المواقع الآثارية في منطقة باخديدا، سواء التي جرى التنقيب فيها او التي لم يجرِ؟.
* هناك اكثر من خمسة عشر موقعا اثاريا ضمن عقار باخديدا أهمها التي اجري التنقيب فيها من قبلي شخصيا وهي تل ياثة وخربة زكريا لأنها أعطت لنا نتائج بالغة الأهمية فيما يخص اقدم استيطان بشري في باخديدا والذي يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد ابتداء من فترة حسونة وفترة العبيد والآشوري بأدواره الثلاثة، هذا إضافة إلى ما نلاحظه من أهمية كبيرة في مواقع أخرى من خلال مسوحاتنا الآثارية التي كلفت بها خلال عامي 1986و 1987 وهي موثقة في دائرة الآثار والتراث كجزء من أعمال الاستعدادات لمشروع ري الجزيرة الشرقي، واهم هذه المواقع التابعة لباخديدا جمكياثة وتل منصور وناقرتايا وبشموني وسركيس وباكوس وخرائب فرنسو وقاشا وجداد وحبش ودنحا اضافة الى مواقع تاريخية محيطة بباخديدا موثقة سابقا مثل تل غنم وبربارة والصوان وباشبيتا وبلاواة وشيخ امير والمصلى وغيرها، وجميع هذه المواقع تؤكد لنا التواصل الحضاري والتاريخي للاستيطان البشري في المنطقة وعدم انقطاع سكنى الإنسان فيها منذ ما يقارب الثمانية آلاف سنة ولحد الآن مما يدل على عراقة سكان باخديدا والمنطقة في التاريخ.

- ما هو تقييمكم لواقع الآثار في العراق عموما والمنطقة خصوصا.. وهل تتصورون آليات فعالة توقف النزيف المستمر في ضياع وتشويه وسرقة الآثار؟.
* إن الواقع الآثاري في العراق بالتأكيد سيشهد مرحلة مقبلة تبشر بالخير من جميع الوجوه العلمية والفنية والإدارية بعد أربعة عقود من الضياع واللامبالاة والاتجار بالآثار العراقية وبتوجيه من قيادة النظام المباد. أما الآن فان دائرتنا تبذل جهودا استثنائية وعلى كل الجوانب وخاصة من أجل إعادة الآثار المسروقة وإذ نشكر الجامعات والمعاهد والشخصيات المعنية من داخل العراق وخارجه والتي تبذل هي الأخرى جهودا مشكورة لإعادة آثارنا المسروقة وخاصة عن طريق منظمة اليونسكو.

- برأيكم كيف ومتى تتسع دائرة ممن يفهمون قيمة آثارنا التي لا تقدر بثمن؟.
* ان موضوع نشر الوعي الآثاري بين كافة فئات الشعب من اجل أن تعي القيمة الحضارية والتاريخية والعلمية وحتى الإنسانية لآثارنا مسؤولية الجميع لأنها ليست ملكا للعراقيين فحسب وانما هي جانب مهم من التاريخ والتراث الإنساني العالمي لذلك أرى من الضروري لانجاح هذا المشروع أن تأخذ دراسة الآثار حيزا وفرصا من بعض المناهج الدراسية ولكافة المراحل هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ضرورة وضع برامج وطرحها على كافة وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وان هذه الوسائل تحتاج إلى وضع جدوى علمية وفنية ومالية وان دائرة الآثار والتراث تكون المعني الأول والرئيس لإنجاح هذا المشروع.

- لنأتي إلى مؤلفكم الأخير، والذي تحدثنا عنه في المقدمة، هل بإمكانكم تعريف القارئ بالفرضية الأساسية التي يقوم عليها البحث، وما هي محتوياته.
* إذا كان المقصود من (الفرضية) بسؤالكم هو (احتمال) فهذا غير وارد في بحثنا الأخير الموسوم (الجذور التاريخية لبخديدا وسكانها)، لكنني أقول الأسس أو الدلائل أو المعطيات أو البراهين التي اعتمدت عليها ومن خلال المصادر المدرجة فيه والتي حصلت بموجبها على نتائج تعطي لنا حقائق عن الأصول العرقية او الرس لأهالي بخديدا واهم الحقائق التي اعتمدت عليها منها الآثارية والتاريخية والجغرافية ومعالم من الجوانب التراثية والعمارة وحتى الاسم واللغة السريانية التي لا نزال نتحدث بها، هذه اللغة والثقافة التي لم نعطها حق قدرها لحد الآن، كما اعتمدت على جوانب من بعض الصناعات الشعبية وملكية الخديديين لأرضهم منذ آلاف السنين وحتى السمات العرقية للخديديين حيث إن جميع هذه المعطيات وغيرها سوف نوردها مستقبلا إن شاء الله تدل لنا على إن اصل الخديديين هم السكان الأصليين لأرض باخديدا وانهم من الأصل الآشوري ثم الآرامي وقليل من الأصول الأخرى، ولأن الشعوب لا تموت بموت حكوماتها بل تبقى حية تصنع التاريخ والحضارة هكذا تبين لنا من خلال هذا البحث ان الخديديين يعيشون التواصل الحضاري والتاريخي منذ استيطان جدودهم ارض باخديدا طيلة ما يقارب الثمانية آلاف سنة ولحد الآن.

-أعمالكم الأخرى في مجال التأليف والكتابة؟.
* سبق وان نشر لي بحوث أخرى وخاصة في مجال اختصاصي الآثاري منها في مجلة سومر وبحوث آثار سد الموصل ومجلة بين النهرين ونشرة العائلة وجريدة مهرجان الإبداع السرياني، ومواضيعها حضارية وتاريخية وتراثية.