لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

الموضوع منشور في العدد(25) من مجلة النواطير

شماشا وشمشوثا

القسم الثاني

سنابل من حليب الكنيسة...

الشماس/ بشار الباغديدي

 

تعلمها منذ نعومة أظفاره لأنه رضعها مع الحليب وهو على صدر أُمه.. السورث الفليحي لهجة أهل بيث كوديد ويذكر التاريخ لعلها أتت من الفلاحة التي كانت للباخديدي الشغل الشاغل إجتماعياً وحتى كنسياً فقد تعوّد أن يبدأ نهاره بالصلاة الصباحية (صَبرا) فتعلق بين السنبلة الجسدانية والسنبلة الروحانية متنعماً بطاقتها الجديدة التي أحيت بثمارها الحكمة والخبرة المنسوجة من وبر الحياة. إنها فرصة ثمينة للتذكير بتلك الوجوه وما أدّوه من شهادة بطلة وصامته في المدينة البشرية (الكنيسة).

المسنّين ثروة من الحياة والإيمان بل هم رُسل لا بديل عنهم وخاصة في البيئة التي هي في سنهم، لأنه ليس ثمة مَنْ هم على إطلاع أكثر منهم على المعضلات والحساسيات المتعلقة بهذا الطور من الحياة البشرية، رسالتهم اليوم بالذات تكتسب أهمية خاصة فمن منّا لم يتعلم من جدّه وجدّته صلاة الإيمان التي حصدوها من التربة الخصبة المستقاة من الروح القدس.

- قيناثا دجباري وقندهاري...

أعجبتني (الشمشوثا) فمنها فهمتُ معنى بذل الذات والخدمة ومحبة الآخر وآقتربت من فهمي لرتب الملائكة فعرفت الدرجات الكنسية من وزنات الإنجيل التي وزعها الرب (الشماسية وزنة والكهنوتية ثلاث والأسقفية وزنات خمس).

فشكرت الرب الذي وهبني هذه النعمة فقلت في نفسي ليرمى التراب على عيني يوم أموت فكل ما طلبته نلته.. نعم كان في خاطري أن أتسلسل مع آخر عناقيد شجرة الليتورجيا في كنيسة بغديدا لكن (ساواثي) تحاشوا من برد الكلمات.. أخبرني والدي أن هناك لحناً ومخطوطة سريانية تُفيدني فقصدت الدار مع عيون الكذياوي كان الفلاح والشماس جالساً أمام الدار كضوء النخلة ربّما في تأمل وربما في إنتظار لكنه لم يكن في موعدنا. بريخ صفروا.. لم يعرفني لكنه تعرّف على أنف متي وآبتسم معه.. نُريد أن نَتَعلم ونَسمع منك يا عم.. قال وبصراحة: والذين أعطيتهم من الجرايد والمحطات ماذا فعلوا.. فقلت له نحن غير... إننا من أُسرة النواطير وموضوعِنا غير..

ظنَّ ضيفنا إننا في دردشة فليحية لأنه فلاح كبير والرب أنعمَ عليه فأخرج ورقة لها من العهد الكثير وشرع يقرأ (عين الكطة- كريطا- آساد- فرعونية- كرووط- إلخ) 43 نوع حنطة تسلسلوا في فمه وبينما كان منشرحاً في السرد كنت أتعجب وأبتسم بصمت نفسي فعُدنا بالذاكرة إلى عام (1811م) عندما حلَّ الجوع بالمنطقة جلبنا الحنطة من الحدود التركية الإيرانية العراقية نوع قندهارية حمرة.. ولا زال عندي منها...

(1936) في تل النمرود عندما قلعنا قطعة حلان رأينا (مزملّة) وبعض رؤوس الحنطة فزرعناها ونبتت في أرضنا علماً أن أول ما زُرع في بغديدا من الحنة هو الجباري...

تودي.. تودي مشمشونو قاطعته وقلت لَهُ إننا نريدك أن تحدثنا عن الشماسية يا أبا بشار وليس عن الحندولا والعدنانية..

فدخلنا داره آملين أن نسمع صوته المجبول بقينات الدمع.

- 83... جوزو نطرنوا فأنكييه.

من بيتوثا آل قافو تقشت وتركخت السريانية في صباه.. عشقها حدّ العبادة ليموت روحاً من أجلها متفنناً في ليتورجياتها وخاصة في إنطاكيا السريانية بخديدا قامةٌ تجذّرت حتى الأمس القريب وأصبح ظِله يُخيّم ذلك الكند، بقي أن نقول لمن لم يجده في كوروخو أوشعنا وصفرا دقدمياثا ديوماثا عاديي وسعرياثا دبطريركايي إنه الشماس الرسائلي بطرس شابا قابو تقول بغديدي إنه من مواليدها 1924 وزيجته من نعمة الرب أثمرت فأعطت سبع سنابل لبشار فاتح الدار (المبشر) سنبلة ولشقيقاته الست الباقيات..

بعمر صغير دخل مدرسة مار يوحنا وهو في الرابعة وكسنتين احتياط جلس يترقب ويصغي لمعلّمهِ (بطرس ككي) وصليوا كسكو وفرج فرجو ولا ينسى المعلم والحكيم القس منصور دديزا الذي خصّ بالسريانية وأعطى لها الكثير من القراءات في أيام الأعياد (تهرا دبيلدا وأوشعنا دقيمتا)

1440 يوماً فقط ترقبت العيون الغائرة (قوربو آلوهويو) وأصغت بعيدةً عن كراوا وتنايا وأُجر لئثووثو مورونويي.. لقيسا وكيصا وطلنيثا دكباني موئمذي قضاها في بيث دراشا ليرتشف منها منهجاً مكنّه أن يساير الحياة ويبرع فيها.. نعم في الرابع الإبتدائي ولسوء أحوال المعيشة ترك الدراسة وإتجه للفِلاحة لكنه لم يترك الألب وبيث كازو والفنقيث تعلم العربية ومنها الفرنسية: طلبت منه مقطع فقال: (جوزو نطرنوا فانكييه.. سيفونتيه سي دو سي ئيتا زالا سكرندي) وترجمته يسوع قد إنتصر...تراسلت الكلمات بفم بسيط كطفل الإبتدائية وطفق يهز برأسه.. لآهات الزمان.

 

 

في الثانية عشرة من عمره كان يرتقي المذبح ويخدم ويتعلم... في عام 1946 صلّى بخشوع (ئينو أخ زيتو مشبحو ببيتي دالوهو ولشينو وبنيونو دعيتو قادشتو دالوهو) فرُسم شماساً برتبة مُزمر وقارىء ليعود بعد عسار شنين لينزع ورارته ليضعها المطران المثلث الرحمة جرجيس قندلا في جهة القلب ليُقوي المكان الضعيف وسط هلاهل ودموع ال قابو لشماسهم الرسائلي.. هوفديقنو هكذا عاش أبو بشار (قواساً) في الحياة والخدمة مكملاً للمطران المثلث الرحمة عمانوئيل بني ولمدة سنة واحدة ليتفرغ بعدها (دئورخا دسليميه وخثواثح صابربيك وعبدة ومكسيباك)

 

 

 

 نعم وأنت تدخل إستقبال داره الجميل يملؤك العجب لأيقونات السنابل التراثية التي تجذرت في هذه الأرض الطيبة.. تدخل وكأنك في متحفٍ زاهٍ بهيئة كأس قربان وصليب وقلب ودمعتان الأولى في قلب الباغديدي والأخرى في عينه متذكراً أيام زمان وكان ياما كان عباس وشماسان.

- عبو موميكا نغمةٌ لم تَمُتْ...

(توما كجو، إيشوع باخي، خضر اسحق نعمت، ناصر شيخا، يوسف جبريتا، عبو قاشا، رفو عطالله وشمامسة الحبشاوت) مكاسب كنيسة بغديدا من العمر الرابع كما تقول الديموغرافية الخديدية أشخاصاً خرجوا من مداور الأنتاج ولا يزالون الأحياء منهم يمتلكون طاقات كبيرة.. إنهم فعلاً ثورة صامته في تاريخ باخديدا فرغم مجتمعنا الأنترنيتي لازال المٌسن هذا يلفتُ إنتباه المجتمع المنهمك لازال يعطي للحياة نظره أكمل رغم العجلة التي تسودها.. رغم حياتنا المبعثرة لازالت ضمائرنا تبارز مع الحقيقة قبل ضياع هذه المخطوطات النفيسة (الجيل الذي لا يوجد مثله شمامسة).

 

 

عندما سَمعتُ صوت الشماس عبو موميكا وهو يُصلي (مراثي إحتباس المطر والتخشفياثا) قُلت في نفسي أين نحن من الشماسية (طوباكِ أيّتها الحنجرة كيف إستطاع الصمت أن يمتلكك) فقام عمي بطرس بقراءة التخشفت من المعذعذان ليُبكيني هو الآخر مع دموعه الثمانينية التي كانت بصمت تسيل على خده كما تشاء.. يبكي لأن زروع الكنيسة تأكلها العصافير وربّما يأتي يوم ييبس حليب السنابل وتجوع أحبار الفناقيث وتترمل المزامير وتصرخ راحيل باكيةً لأولاد بغديدي قبل أن يسكتهم جاروف الندى الأسود.

رتلنا سويةً لعشرين دقيقة.. في تلك الغرفة الجميلة كغرفة القسان زنار من الأيقونات المقدسة والسرير والخاجية والكالوج القديم والمئات من الكاسيتات التي سجّلها بصوته ومع إخوانه الشمامسة (رمش الباعوث- قداديس السعانين- الأب يوسف ككي- صلاة رمش الحاش مع الدفنة- رمش الحكيمات- القراءات والحسايات- السوتار- تشمشتا ددشاع شوعين- النهيرة- بيث كازو)

ومكتبته البسيطة تضم الكتب القيّمة الكبيرة أهمها بالسريانية (حكمة أحيقار). في كلماته رجاء كبير يعاتب من لا يريد أن يكتنز هذه الأضواء كي يستنير بها الطريق للقاء الرب. ويرثى متألماً في (داعا دمطرا).

 

باينكاليون محيانا - من كوما دمخلصانا

آهو بتاوا مصيبرانا - دكُل إيقا وكبينا

******

بطّلبخْ منوخ يا مارن - يا كَبارا ويا أريا

شديّد بشمي عليا - والوخ كصارخ كل بريأ

*******

يا ربي بسا كما لي - هلما باذي حالي ..الخ

 

 

وله مديحة العذراء إبان غزوا طهماسب قبل 30- 40 سنة تعلمها من جده بواسطة المطران عيسى الموصلي (بقينتا دمور افرم).

- قبل أن تأتي أيام السوء...

إنَّ الحياة تمر في طرفة عين وليست دائماً خلواً من الأعباء والآلام.. تمر سريعة ونحن نطير.. لو رسمناها لكانت لوحة مرة.. وبمراراتها يتأسف شماسنا الوقور من تقصير الكنيسة وكهنتها في تعليم (لشانا دمارن) وتأهيل شمامسة أكفاء يعرفون الشورايا الذي هو عمود الطقس السرياني وسيمثا دقيناثا افرامايي. وأسفي على إخوتي الشمامسة وخاصة الجُدد منهم فأغلبهم يتعلمون لمنتصف الطريق ثم يُراوحون وهو عتب أيضاً على الشماس الذي يَعلَم ولا يُعلِم نعم.. رُسِمَ ليكون خادماً ليخدم كما سيده المعلم (يسوع) نعم.. هو حجر من أحجار الكنيسة والحجارة تضيئها الكلمات وأنا أدعوا الذي يُريد أن يتعلم فليأتي إليّ الآن قبل أن تعتب أقدامي تلك الديار فأنا يا أحبتي تعلمت من ذاتي ولا أنسى معلمي عبوش برهاوي في بدايتي إنظروا الآن للأسف أحفادي لم يتعلموا لا بل يغلقون آذانهم وأبواب غرفهم كي لا يسمعوا (لئاوا طرءا بارايا تيويوا غديدايا وكباخي ماري بثوخ طرئوخ دئانين تلميذوخ شمى وارئا كباخيلوخ دغذيلا دشلطنوثا مسوكيري) وعندما يذكر هذا تتساقط القطرات الزجسية الثقيلة الطعم من العيون التي لم تقرأ بالنظارات الزجاجية ويرثي:

 

ديقُلخ يا راحيل دخزي

فراحل هي الكنيسة هي بغديدا هي كل أُسرة تغلق عين الصمت بوجه هذه الكلمات. وما شدّني لحديثه كرازة الخطيب لويس قصّاب هذا الأب الشاكي أمام الرب بشجاعة جسورة لبغديدا كي لا يموت (زوري دبيثواثا ولوّني دئيتاثا) فيقول في داعة السبعينات (خور لينن يا ربي ولو ديّخ صلّماني.. لشوقت فيوتى باؤُرخاثا دزادي عار دخطياثا لينن.. "مكيبخ غدلهن ريشواثن.. أُوجارى دحديد وصيوا.. آني دزرئي بدمئي.. بدخصدي بصخوثا.. بصوخو وساكو دورو لبتيخون ها بدمصيثيتون لقالا دمطرا مسبب ربي لا كنايم ولا كطاوء).

نعم يا إخوتي: إننا ننام اليوم في وديان العالم السحيقة عهوداً فنترك إذاك المسيح خارج الأبواب يقرع ورأسه بندى الليل والطل أين الكنيسة اليوم من عهدها المقدس أين هي أزياؤها الروحية وثيابها السماوية أين طعامها السميذ النظيف والعسل والزيت والخبز النازل من السماء.. وأيناتٍ من الدموع.. والداعات دخ كَمي ألاها شهاريلى وآهو بثخلي ئيند شهارا شد مخلخ ئينن مشختا دزونا دقشخ بغديدي بهبرية وزنارا وشوقتا سموقتا وفرمنى زرقي ومريم بثولتا توتا لعتبى دبلاثا دلبن وبيثواثن دلقشالن وسيكى ئيناثن.